پورانا تعني بالهندي "قمر 14" وبالسنسكريتية: पुराण "پورانا" تعني القصص القديمة) أنشأوها شعراً يمتزج فيه بهذا اللاهوت المعقد، مجموعة معقدة من الأساطير فيها التخريب وفيها عمق الفكرة في آن معاً؛ فلما كانت كتب الفيدا قد دفنت في اللغة التي كتبت بها، ثم لما كانت فلسفة البراهمة الميتافيزيقية تجاوز حدود أفهام الناس، فقد نهض "فياسا" وآخرون في مدة تطاولت إلى ألف عام (من 500 ق.م إلى 500 م) وأنشئوا كتب "بيورانا"- ومعناها القصص القديمة- أنشئوها شعراً في أربعمائة ألف دوبيت (الدوبيت بيتان من الشعر) يعرضون فيها لعامة الناس حقيقة خلق العالم بصورتها الدقيقة، وما يطرأ عليه من مراحل الكون والفساد المتعاقبة على فترات دورية، ونسب الآلهة، وتاريخ عصر البطولة؛ وليست تدعي هذه الكتب لنفسها قالباً أدبياً ولا نظاماً منطقياً، ولا اعتدالاً في تقدير الأشياء بالأعداد، من ذلك مثلاً أنها تذكر عن الحبيبين "إرفاشي" و "بورورافاس" أنهما قضيا واحداً وستين ألف عام في سرور وغبطة (30)؛ لكنها مع ذلك أصبحت للديانة الهندية إنجيلاً ثانياً لوضوح لغتها وروعة قصصها وسلامة العقيدة التي تشرحها، كما أصبحت تلك الكتب للديانة الهندية مستودعاً عظيماً لخرافاتها وأساطيرها، بل وفلسفتها؛ فهناك على سبيل المثال قطعة من "ڤشنوپورانا" تعبر عن أقدم فكرة جالت برأس الهندي وما فتئت تعاوده على طول الزمن- وأعني بها الفكرة القائلة بأن استقلال الأفراد في ذوات منفصل بعضها عن بعض، وهم، وأن الحياة كلها حقيقة واحدة :
عودة الكون بالتناسخ مرة بعد مرة
في كتب "پورانا" هذه، وفي أمثالها من آثار الهند في عصورها الوسطى، تقرأ نظرية عن الكون بعينها النظرية التي يقول بها العصر الحديث؛ فليس هناك خلق بمعنى التكوين بعد العدم، إنما هو كون يعقبه فساد أبد الدهر، هو نماء يعقبه ذبول، دورة بعد دورة؛ كهذا الذي تراه متمثلاً في كل نبات في العالم وكل حيوان؛ والذي يحفظ مراحل هذه السيرة فلا تقف دورتها، هو براهما- أو إن شئت فقل براجاباتي كما يسمى الخالق في هذه الكتب التي نحن الآن بصددها- براهما هو القوة الروحية التي تفعل ذلك، ولسنا ندري كيف بدأ العالم، إن كانت للعالم بداية؛ يجوز أن يكون براهما- كما تذهب كتب بورانا- قد جعل بداية العالم بيضة ثم احتضنها حتى أفرخت؛ ويجوز أن يكون هذا العالم غلطة عابرة من الصانع، أو فكاهة رأى فيها قليلاً من تسلية(32)؛ وكل دورة- أو كالبا كما يسمونها- في تاريخ الكون منقسمة إلى عصور كبرى- ويسمون كل عصر منها ماهايوجا- طول الواحد منها 000ر320ر4 عام؛ ثم ينقسم كل "ماهايوجا" إلى أربعة "يوجات"- أي عصور "يطرأ على الجنس البشري خلالها تدهور تدريجي؛ ولقد مضت ثلاثة أعصر من "الماهايوجا"- أي العصر الأعظم- الحاضر، بلغ مداها 888ر888ر3 عام، ونحن الآن نعيش في العصر الرابع- ويسمونه "اليوجا الكالي" ومعناها عصر الشقاء؛ ومن هذه المرحلة الرابعة انسلخ 035ر5 عام، وبقى منها 965ر426 عام، وعندئذ يصيب العالم موت من ميتاته الدورية، بعدها يبدأ براهما يوماً آخر من "أيام براهما" وما يومه إلا "كالبا" أي دورة طولها 000ر000ر320ر4 عام؛ وفي كل دورة "كالبية" من هذه الدورات يتطور الكون بفعل العوامل الطبيعية ماراً بالخطوات الطبيعية، وبفعل العوامل الطبيعية ماراً بالخطوات الطبيعية يعود إلى الانحلال، وفناء العالم كله لا يقل في يقينه عن موت فأر؛ وليس هناك غاية نهائية يتحرك كله في نظر الفيلسوف بأخطر من موت الفأر؛ وليس هناك غاية نهائية يتحرك نحوها الكون، أي ليس هناك "تقدم" بل كل ما هناك تكرار لا ينتهي(33).
المراجع
موسوعة المعرفة
التصانيف
الآداب نصوص هندوسية