كان القذافي في صباه ولدا معتوها شعر رأسه غير مرتب ( كفشه ), لم يستعمل المشط في حياته, وكلما اشترى له ابوه مشطا جديدا, كسره ورماه في المزبلة, وكان القمل يعشش في راسه, ويتطاير منه افواجا وامواجا, وكان قذر الهيئة, متسخ البدن والثياب, لا يغتسل ولا يلبس ملابس نظيفة.
ولم يكن لديه اصدقاء, بل ان كل اطفال المنطقة اعداء له, فحينما يرونه يسير في الشارع, يهرولون خلفه, ويرمونه بالحجارة, ويضربونه بالعصي, وينعتونه بالمجنون او المخبول او المعتوه, او ربما نعتوه بالاثول, او الاخوث, او ما شابه من الفاظ, التي تليق به وبهيئته القذرة, فيطلق ساقيه للريح عندما يحاولون ازعاجه, وتاره يتهجم عليهم, واذا حدث ان امسك واحدا منهم اوسعه ضربا, وربما ادماه ما لم يسعفه احدا من الكبار, فقد كان قوي البنية, شرسا, متوحش الطباع.
فتولد في نفسه حقدا تجاه اولئك الاولاد, اما رجال المنطقة لم يكونوا يختلفون كثيرا عن الاطفال في معاملته, فبمجرد ما يرونه, يصرخون بوجهه ( انصرف ايها القذر المتوحش ), ( اذهب بعيدا يا حيوان ), فأضمر حقدا كبيرا على الرجال ايضا.
وفي المدرسة, كان مبغوضا من قبل مدرسيه, وزملائه, فيسمعه المدرسون كلاما فضا, ( اغتسل يا وحش ), ( غير ثيابك ), وربما طردوه من المدرسة, ذات يوم, جاء مدرس جديد للمدرسة, فشاهد هيئته القذرة , فطرده من المدرسة, واخبره ان لا يعود حتى يغتسل, ويرتدي ثيابا نظيفة, حالما خرج من بوابة المدرسة, هجم عليه عدد من الاطفال, بالحجارة والعصي, فأطلق ساقيه للريح, يتنقل من ( دار دار , بيت بيت , زنكه زنكه ), فيقفز من حائط الى حائط, مثيرا الرعب في البيوت, الامر الذي اورثه لياقة بدنية جيدة, وهكذا الى ان يصل الى البيت سالما, فأخبر امه بطلب المدرس الجديد بالاغتسال, لكنه فضل عدم الذهاب الى المدرسة مرة اخرى على الاغتسال.
كلمت الام زوجها بهذا الموضوع الخطير, فليس من السهل اجبار القذافي على الاغتسال, فتركه ابوه حتى غط في نوم عميق, بعد يوم طويل من ملاحقة الاطفال له, ورميه بالحجارة وضربه العصي, فجلب الاب حبلا غليظا, فقيد رجليه ويديه, واحكم اغلاق فمه, بينما امه اعدت الماء الساخن, وبعضا من الصخور, و مساحيق غسيل الاواني ( تايت  , وقليلا من الكاز والنفط, وعندما فرغ الاب من احكام ربطه, شرعت الام بخلع ثيابه  وسكب الماء عليه, فأستيقظ مذعورا, محاولا فك الحبال, من غير جدوى, يصرخ ويبكي, بعد ان افلت احكام فمه, بدا عليه انه قد نسي اللغة العربية , فتكلم بالانجليزية ( Please , let me go , I'm going to die , I feel too bad  )), غير ان الابوين لم يعبئا لتوسلاته, فجلبت الام قطعة من الخيش ( كونيه ) وسكبت عليها مسحوق الغسيل, وشرعت تحك وتفرك في هذا الجلد السميك, بينما الاب تارة يضربه, طالبا منه السكوت, والانتظار حتى يفرغون من تنظيفه, وتارة يفرك جلده بتلك الصخور, فتتساقط منها اكداس من الوسخ, وبعد مرور ساعتين كاملتين, فرغوا من تنظيفه, بعد ان استوفت هذه العملية برميلا من الماء, فأحضرت الام الكاز والنفط, ودلكت بها رأس القذافي, لعل القمل يموت او يرحل ! 
 ذات يوم, اعطته امه قطعة من النقود, فذهب القذافي قاصدا السوق, فكمن له العديد من الاطفال, وهجموا عليه هجوما شرسا, فهرول عائدا الى البيت, الا ان مجموعة كبيرة من الاطفال حالت دون ذلك, فدار يتنقل بين الازقة والزنك, الى ان وصل الى شارع ضيق, فأطبق عليه الاطفال من كل الجهات, وانثالوا عليه رميا بالحجارة, وما كان منه الى البكاء وطلب الاستغاثة, حتى هرعت بعض النسوة وطردن الاطفال ,فجلس في زاوية ما في الشارع, تفقد قطعة النقود, فلم يجدها فأجهش بالبكاء والنحيب وتوعد الاطفال بأن يسرق اموالهم كما ضيعوا ماله, وان ينتقم منهم يوما.
جلبت له امرأة بعضا من الخبز والحليب  فالتهمه كالوحش المفترس  وجلبت له اخرى قطعة من الحلوى فألتهمها بشراهة وجاءت اليه ثالثة, فأصطحبته الى البيت, تذود الاطفال عنه, حتى اوصلته الى الباب فشعر بأطمئنان وحب وحنان تجاه النساء, دون الاطفال والرجال, هكذا كان يعود الى بيته, بأصطحاب احدى النسوة, و احيانا يهرب الى الصحراء, فيبقى حتى مغيب الشمس, حيث يعود الاطفال الى بيوتهم, وتخلو الشوارع من المارة, فيعود بدوره الى البيت.
ذات يوم, بينما كان القذافي يركض وخلفه الاطفال, فتوجه نحو الصحراء, فأستمر الاطفال بملاحقته, بينما هم كذلك, خرج عليهم اسد  عرمرم, فتصدى له القذافي, فقد كان لديه اسنان قوية كالاسد, واظافر طويلة وحادة, في حين ان الاطفال حاولوا الفرار, فتوقف الاسد امام القذافي, نظر اليه بتمعن, الا ان الاسد لم يعجبه لحم القذافي, فتركه واتجه نحو الاطفال, فلحقه القذافي, وامسكه من ذيله, واشتبكا في قتال مستميت, فاحتدم القتال, واشتد الوطيس, وارتفع الغبار في الجو, والاطفال يراقبون, لم يستطيعوا تمييز القذافي من الاسد, فقد كان الغبار عال جدا, وبعد ساعتين من القتال الشرس, انجلت الغبرة, فأذا بالقذافي يضع قدمه اليمنى على رأس الاسد, وسحبه من ذيله, وعاد به الى القرية, فضربت به الامثال العربية, ومنها (( جاب الاسد ( السبع ) من ذيله )). 
مع كل ذلك, كان القذافي ينجح في كافة امتحانات المدرسة, حتى تخرج من الاعدادية, فقصد الكلية العسكرية, فكانت اللياقة البدنية المؤهل الكبير في قبوله, والفضل يعود لاؤلئك الاطفال, الذين دربوه جيدا على الركض والتخفي, والقفز على الحيطان.
تفوق القذافي على اقرانه في الكلية العسكرية, بفضل لياقته وخشونته, ورعونته التي تدفعه الى الاقدام, فتخرج من الكلية, وعاد الى البيت, حالما رآه ابوه, بتلك الملابس النظيفة, فتذكر كيف كان يربطه بالحبال بغية غسله وتنظيفه, فنهض المسكين من مكانه, وخرّ الى الارض كالخشبة اليابسة, بعد ان اصابته السكته القلبية 
ترقى القذافي الى رتب عديدة, وتولى مناصب كثيرة, حتى قاد انقلابا عسكريا, وتولى زمام الحكم في البلاد  وتسلط على رقاب العباد  فقرب النساء ليكن حرسه الشخصي  وموضع سره  فقد كان لا يثق الا بهن  ولا يعتمد الا عليهن.
تزوج القذافي, بعد ان رفضت الكثير من النساء الاقتران به, فدخل على عروسه بعد حفل بهيج , حاملا بيده صندوق كبير, فيه احب الاشياء وافضل هواية له, فقدمه للعروس كهدية, الفرحة تلك المخبولة, وفتحت الصندوق, فبمجرد ان شاهدت ما بداخله, رمته من يدها, صرخت وطلبت الغوث وصعدت على السرير واقفة  فازعة مرعوبة, فقد كان فيه عدد من الجرذان, التي انتشرت تتجول في الغرفة بل خرجت وانتشرت في البيت  اما القذافي فشرع بالامساك بالجرذان, فتح باب الغرفة فشاهد علامات الفزع على المدعويين فقال بصوت عال (( شدو الجرذان ... ما تخافو منهم )) "مقتبس من خطاب للقذافي ".   
على حين غرة من الزمن, توفيت والدته, والتي سميت ب ( ام حظين ) , الحظ الاول انها ولدت القذافي , والحظ الثاني انها عاشت لترى وليدها على سدة الحكم في البلاد , حزن القذافي عليها حزنا شديدا, واحتار فيما يكتب على قبرها, فاستغرق الامر ستة شهور من التفكير , فكتب :- 
هذا قبر ام حظين    مدفونه كلش زين
لا دين ولا بعدين    انه تحبني الملايين
ومش من الداخل     من الامم الاخرى
من الجن والشياطين
وهكذا استأثر القذافي بالحكم  منفذا وعده بالانتقام من المجتمع الاطفال والرجال دون النساءواستعان بالمرتزقة لتنفيذ مآربه  وسرق اموال الشعب انتقاما لهم لما فقد قطعة النقود تلك واتهم شعبه بما كان عليه في طفولته شعب مقمل , وجراثيم وميكروبات ! 
ذات مرة ذهب ابن القذافي للمدرسة فعاد بعد ساعتين وكانت ثيابه ممزقة  وجلده محمرا من علامات الضرب وسالت منه بعض الدماء فنظر القذافي اليه تحسر وتأوه كثيرا  وتذكر ايام طفولته  فقال لابنه الاكبر ( لا تحزن, بل افتخر, هذا ميراث ابوك, ضربت كما كان يضرب ابوك, من نفس المجتمع ), و زقّ لابنه جرعات الحقد والانتقام زقا, وقرر ارساله الى الخارج, كي يتعلم هناك, في افضل المدارس والكليات.  
فأنتفض الشعب ضده, انتفاضة تتناسب مع تاريخ الشعوب, فضاق عليه الخناق, واحتار في امره, فقد فلت من يده الزمام, فجلس يفكر بالطريقة التي يجب ان ينهي حياته فيها شخص مثله, ايهرب من سطوة الشعب الغاضب ؟لا مناص من الهرب, ام يموت رجما بالحجارة كما كان يرجم في طفولته ؟ ام يداس باحذية الشعب الثائر حتى يلفظ انفاسه ؟  ام ان لديه طريقة اخرى يموت فيها ؟ !!
                  
 

المراجع

alnoor.se

التصانيف

قصص   الآداب