استيقظ السيد حاكم الحكومة باكرا هذا الصباح , تناول افطاره على عجل من امره , وخرج من منزله ماشيا بسرعة كبيرة , حيث كان ينتظره حشد كبير من سيارات الحماية , بعضهم يرتدي بدلات رسمية والبعض الاخر يرتدي ملابس عسكرية ايضا مدججين بالسلاح , هرول احدهم كي يفتح باب السيارة الخاصة بسيادته , توقف السيد حاكم مقابل الباب , لكنه رفض ان يستقل سيارته الخاصة , وقرر بدلا من ذلك ان يستقل سيارة اجرة عادية , تسير به في طرقات بغداد ومحلاتها , ومن غير حماية .
اشار الى سيارة اجرة كانت مارة بالجوار , فركنت قريبا , واشار السيد حاكم الى احد مرافقيه بأن يعطيه الحقيبة , حقيبة كبيرة , وثقيلة , تناولها السيد حاكم واسرع نحو سيارة الاجرة , طلب من السائق ان يأخذه الى افقر احياء بغداد , يريد ان يتفقدها , فكر السائق قليلا واقترح على سيادته ان يذهب الى حي التنك , انطلقت السيارة تجوب الشوارع , تطوي المسافات , فيما كان السيد حاكم يختلس النظر من نوافذ السيارة , ينظر على البنايات والمارة , انتبه سيادته الى امر لم يكن معهودا , حيث خلت شوارع بغداد من الناس , وخفت الازدحامات , فبادر ان يسأل السائق عله يعرف شيئا :
السيد حاكم : جا وين الناس ؟
السائق: طلعو !!
السيد حاكم : وين ؟
السائق : للخارج ... استاذ
السيد حاكم : ليش ؟
السائق : مو احنه بفصل الصيف ... والناس طلعت تتصيف ... شي بأوربا ... شي مدري وين
السيد حاكم : واللهي روعة .
حاول السيد حاكم ان يستفهم عن حالة سائق سيارة الاجرة , ويسأله عن احتياجاته العائلية .
السيد حاكم : كلي ... شلونها احوالك ؟
السائق : عال العال .
السيد حاكم : يعني اشلون ؟
السائق : عدنه اليكفينه وزايد خير
السيد حاكم : يعني عندك راتب او وظيفة مثلا ؟
السائق : اني عندي راتب وزوجتي عدها راتب ... حتى ابني الرضيع عنده راتبين
السيد حاكم : جا ليش تشتغل سائق تكسي ؟
السائق : احب اتونس ... او هم اكضي شغل الناس واساعدهم بالاكدر عليه
السيد حاكم : جا اشعجب ما رحت للخارج تتصيف
السائق : واللهي قبل يومين اجيت من استراليا
توقفت السيارة مقابل تقاطع طرق , واشار السائق لسيادته بأن حي التنك يرحب به , ترجل السيد حاكم ماسكا حقيبته , تطلع في الشوارع , فقد كانت معبده والارصفة نظيفة , كما وان البيوت جميلة ومزينة بحدائق تسحر الانظار , فاختار طريقا يسير فيه , استغرب كثيرا عندما لم يرى احدا , فقد كانت الشوارع خاليه , وكأن الحي مهجور , قرر ان يطرق باب احد المنازل , بصفته حاكم البلاد , ومن حقه ان يطمئن على ابناء وطنه , طرق احد الابواب , فتحت الباب طفلة صغيرة .
السيد حاكم : شونج بنيتي .
الطفلة : هلو عمو .
السيد حاكم : وين بابا وماما
الطفلة : راحو للسويد .
السيد حاكم : شيسوون بالسويد
الطفلة : دا يتونسون
السيد حاكم : زين بنتي ... الماء والكهرباء اشلونه ؟
الطفلة : الكهرباء ابد ما تنكطع ... والماي يزرج اتزرج
السيد حاكم : منو عدكم ما متعين لو ما عنده راتب ؟
الطفلة : كل احنه عدنه راتب ... حتى اني عندي راتبين
حمد الله واثنى عليه , و توجه ليطرق باب المنزل التالي , فأخبروه بأن اصحاب المنزل قد سافروا للدنمارك , وسألهم ان كان احد يريد وظيفة او راتب او أي شئ من الدولة , فأخبروه ان الجميع لديه وظيفته ولديه راتب يتقاضاه من وظيفته , بالاضافة الى راتب يتقاضاه من ثروات البلاد , وهكذا مرّ السيد حاكم على جميع المنازل , فلم يجد احد يريد او يحتاج أي شئ , فكل فرد لديه ما يغنيه والحمدلله .
وبعد جولته الطويل بين الازقة , لمح مقهى قريب , ففضل الجلوس قليلا وتناول الشاي , كان المقهى فارغ , ليس فيه احد سوى شيخ عجوز , الذي رحب به كثيرا , وقدم له الشاي مع قدح ماء , انتهز السيد حاكم الفرصة ليسأل الشيخ عن حاله واحوال عائلته , واحوال سكان حي التنك , افقر حي في بغداد , فشرح الشيخ العجوز كيف تحسنت احوال الناس , فما ان يحل فصل الصيف حتى يسافر الجميع الى خارج البلاد للسياحة والتنزه , اما عن الخدمات فكانت الافضل والاحسن في تاريخ العراق وبغداد , ولم يفت الشيخ ان يشير الى ان كل ذلك حدث عند جلوس السيد حاكم في اعلى كرسي في البلاد , فأصابها الترف الشديد , وولت ايام العوز والفقر وسوء الخدمات بلا رجعه , وذلك من حسن تدبير السيد حاكم , فحدق السيد حاكم في حقيبته طويلا , و اخبر الشيخ بأنه يحمل في حقيبته الكثير من الوظائف لكافة الاعمار , كما وتحتوي الكثير من المال كان في نيته توزيعه على المحتاجين , فلم يجد من يحتاج اليه في افقر الاحياء , فكيف هي اذا حالة الاحياء الغنية ؟!!! .
استيقظ السيد حاكم الحكومة على اصوات الناس الغاضبة , الذين هجموا على منزله الفخم , يريدون الانتقام منه وربما شرب دمه لما ذاقوا المرّ وجرعوا الحنظل , من سنوات جلوسه على الكرسي , واطلاقات النار الشرطة والجيش محاولين منع الناس من الدخول للمنزل , فاختلس السيد حاكم النظر من الشباك وقال :
(( اني هم كلت ما معقولة هيجي اتصير ))
المراجع
odabasham.net
التصانيف
ادب قصص مجتمع الآداب قصة