في لحظة صفاء لأمواج بحري المتلاطم، وقد شعرت بأن الجوّ بدأ يصفو، وتتخلص النفس من آلامها وأوهامها، سألتها ما رأيك في ما أكتب بعد أن أخذت تقرأ كتابيَ الأخير؟ لعلها تحاورني به وبأفكاري التي صغتها ليس بعيدا عنها، ولكنه يدور في فلكها هي كونها المرأة التي تعرفني جيدا وأعرفها، بحتُ لها ب "أحبك" وكانت اختياري العقلاني والروحي!!
فأجابتني: أشعر بأنني أكتشفك لأول مرة، وكأنني لم أكن معك، ولم نقض كل تلك السنوات معا كأننا واحد، أكتشف بأنني لست تلك المرأة التي كنت تحلم بها، وتتمناها وتنعم بجوارها، كنت مجرد امرأة تقوم بواجباتها تجاهك وتجاه متطلبات حياتنا المشتركة قدرا ليس إلا.
كنتَ في نظري أجمل رجل كما اعتبرتك كل شيء في حياتي، كنت همي الوحيد، أفكر في كيفية إسعادك فأريحيك من تعبك وأحمل عنك - وليس معك- كل همومك، ولكن بعد كل ذلك عرفتُ كم كنت غبية لدرجة لا توصف، بعد أن أصبحت تهتم بهاتيك الحبيبة التي قررتَ أن تكون لك زوجة وقرينة ومحبة!! كأنك لم تكن تعرف النساء ولا طعم أنوثتهن معي!
دعني أسألك أيها المتربع في عروش الكلمات يا شهريار الوقت والزمان: لماذا تقول في رسائلك لها وقد أطلقت عليها "شهرزاد" بأنك محروم من الأنثى، ودائما موله ومشتاق لدرجة الجنون؟ ألهذه الدرجة كنت مفتقدا لكل ذلك الذي تمنيته في مناجاتك لها؟ لا أريد جوابك، فجوابي فادح وفاضح وقاتل ومقيت، يكشف الأعصاب، ويدمر الروح.
ما توصلت إليه، بعد كل قراءة لرسائلك الوالهة، أنك لم تكن تحبني ولا كنت تشعر معي بذلك الشعور الجميل كهذا الذي تبحث عنه مع غيري، فأنا في نظرك مجرد امرأة واجبات، ولست سيدة بوحك وروحك، كما يحلو لك مخاطبتها في همساتك وأشعارك ورسائلك، هذا إذا كنت تعتبرني امرأة في قاموسك أصلا، فلغتك تقول أكثر من هذا، فكأنني ليس لي صلة بهذا المخلوق العجيب الذي تبحث عنه المرأة والحبيبة.
هذا هو باختصار شديد. كلما قرأت حرفا من حروفك قتلني أكثر فأكثر. فهنيئا لك على هذه الروعة في هذا الكم الهائل من الشوق والحب والجنون الذي تصف فيه هاتيك المحبوبة!!
ولأنك لم تنتهِ بعدُ، فما زال الجنون قائما، في كل يوم متجدد، فهذا هو حالك، وهذا هو حالي!! فلا تلمني إن غضبت وإن حقدت عليها وعليك، أتمنى أن أظل متسامية فوق جراحي لأظل أؤدي واجباتي، فأما قلبك وروحك، فلست معنية بهما، فلتمنحهما من شئت!!
كان جوابها أسود، فاعتقلت اللسان بمعتقل الخرس، ولم أعد قادرا على الدفاع عن آخر حصون القلب والهوى، أستميت في ترميم ما تهشم من صور، ولكنها دائما تربط بين الخيال والواقع، وتبتعد عن كل ما يفصل بينهما من مسافة، فهل كنتُ قاسيا لهذا الحدّ؟ لن أبرر، ولن أشرح ما كتبت، ولكنني على يقين بأن الكتابة أمل آخر وفلك آخر وتعويض نفسي وواقعي عن كل خسارة، فلعلّ تلك المُحِبّة الكارهة تستوثق بما ينداح حولها من معاني لتعرف الحقيقة!!
المراجع
pulpit
التصانيف
ادب قصص