خوله مناصرة
عندما تذهب إلى مدرسة أطفالك للاطمئنان عن أدائهم الأكاديمي، قد يبادرك المعلم قائلا: فراس طالب منظم. كتبه أنيقة ومرتبة، وواجباته دائما جاهزة في الوقت المناسب، أما إيناس فهي على العكس تماما، فنادرا ما تحضر كتبها وأدواتها، أو تنجز واجباتها.
ويبدو أن لدى بعض الطلاب قدرة فطرية على التنظيم وتحمل المسؤولية، في حين أن آخرين يفتقرون لهذه الصفات. وبعض الآباء والأمهات لديهم كلا النوعين من الأطفال، ونستغرب كيف يمكن أن يكون للأخوة مثل هذه الصفات الشخصية المختلفة.
بغض النظر عن نمط شخصية طفلك، فانك تستطيعين تعليمه كيف يتحمل المسؤولية من خلال الممارسات المقصودة. ضعي في اعتبارك أن كل طفل يختلف عن الآخر، وأن كلا منهم يتعلم تحمل المسؤولية بطريقة معينة وبنسب مختلفة.
وجميع الأطفال بحاجة إلى فرص لإثبات أنهم مسؤولين عن أفعالهم، وواجباتهم المدرسية، والأعمال المنزلية، والعلاقات مع الآخرين. و فعل المسؤولية يستدعي أن يكون الطفل موضع ثقة، قادرا على اتخاذ القرارات، وتحمل مسؤولية ما يفعله. وينبغي أن تبدأ دروس المسؤولية في وقت مبكر، وان تستمر طوال فترة الطفولة والمراهقة. وخير وسيلة لتعليم المسؤولية للأبناء هي إسناد المهمات لهم.
ويجب أن تكون هذه المهام فرصا متاحة للمساعدة (وليس كعقوبات)، ويجب تحديد القواعد والعواقب. وأن يتيح الآباء الفرص لأطفالهم باستمرار ليكونوا مسؤولين، وأن يتصرف الآباء أنفسهم بمسؤولية، كما يجب أن يكون الآباء إيجابيين، وان يعطوا انطباعاتهم الواضحة للأطفال عما أنجزوه. وإظهار الكثير من التشجيع عندما يظهر الطفل تحملا للمسؤولية، ومناقشة الجوانب السلبية لعدم أداء المهام بشكل جيد.
ولمساعدة طفلك على إدراك أهمية هذه الواجبات، تحدثي اليه عن السلوك وليس عن الشخص. قولي له: جعفر، لقد قمت بعمل عظيم بترتيب غرفتك ولا تقولي له: “أنت ولد جيد” أو قولي: جعفر، أنت لم تمسح العصير الذي سكبته على الأرض. ولا تقولي له : أنت شخص غير مسؤول . والسلوك إما إيجابي أو سلبي. ويجب أن يفهم الطفل أن حب والديه له غير مشروط، ولكنهم قد يستاءوا من أفعاله.
كما يجب أن يفهم الطفل تفاصيل واجباته، بما في ذلك الوقت اللازم لإتمامها، والعواقب المترتبة على عدم القيام بها. وقد تحتاجين لمساعدة طفلك على انجاز المهمة، ولكن لا ينبغي أن تفعلي ذلك نيابة عنه. كما يجب أن يعرف الطفل أنه مسؤول عن تصحيح الأخطاء عندما يكون ذلك ممكنا.
فعلى سبيل المثال، إذا أحدث الطفل فوضى، فعليه أن ينظف ويرتب الفوضى التي تسبب بها. ومن المفيد تعليق قائمة للمهام على الثلاجة، يكتب عليها اسم الطفل، والمهمة الموكولة إليه، وزمن الانجاز، ومدى نجاحه في انجازها على أكمل وجه.
بشكل أساسي، نحن نريد لأطفالنا أن يكونوا مسؤولين لأنها سمة صحية ملازمة للنجاح في الحياة. ولذلك ينبغي أن يحاول الآباء غرس شعور بالارتياح الذاتي في نفوس أطفالهم (مشاعر الفخر والسعادة) بدلا من استخدام المكافآت (مثل:الحلوى، والمال، والألعاب) عن تصرفاتهم المسؤولة.
وتتزايد مستويات تفكير الأطفال كلما كبروا، ويجب على الآباء توفير مهام لهم تتناسب مع أعمارهم. وكلما أحرز الطفل تقدما، فإنه يحتاج إلى إظهار التمكن من المسؤولية في المستويات الدنيا قبل تقديم المزيد من المهام الأكثر تعقيدا. إلا أن إعطاء الأطفال العديد من المهام، يمكن أن يحبطهم، بحيث أنهم يشعرون أنهم لا يستطيعوا إنجاز كل منها على أكمل وجه.
والطفل الذين يعطى مهاما معقدة جدا يحس بالارتباك، ويطغى عليه شعور بالفشل. أما الطفل الذي لا يتوقع أن يكون مسؤولا فإنه يشعر بأنه غير جدير بالثقة، ويقل احترامه لنفسه. ولبناء احترام الذات، ينبغي على الآباء زيادة مستوى المسؤولية بالتدريج عندما ينمو أطفالهم وينضجون.
فالطفل الصغير يمكن أن يغسل يديه، ويلتقط ألعابه، ويشارك الأصدقاء الألعاب مع الأصدقاء كتدريب على ممارسة المسؤولية. فمنذ سن مبكرة، يحتاج الطفل لأن يكون قادرا على اتخاذ خيارات، وان يعطى سلطة محدودة. ويعطى الأطفال الصغار المهام التي تنجز على المدى القصير فقط. ويمكن تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر، ينجزها على مدار اليوم أو الأسبوع.
أما طالب المدرسة الابتدائية فيمكنه القيام ببعض الأعمال المنزلية، مثل إعداد وتنظيف الطاولة، وطي المناشف، وإخراج القمامة.
وانجاز واجباته المدرسية في الوقت المناسب، وتحضير ملابسه للمدرسة، والحفاظ على غرفته مرتبة. ويمكنك البدء بتمكينه من إدارة مصروفه. ودعيه يخطئ، ويواجه العواقب. فإذا رغب الطفل باقتناء لعبة جديدة علميه كيف يوفر من مصروفه ليتمكن من شراءها.
وإذا انفق نقوده على أشياء أخرى، فأخبريه أنه خسر فرصة شراء اللعبة الجديدة حتى يوفر المال الكافي.
دعي طفلك يختار المهام، وضعي القواعد اللازمة لاستكمالها، وحددي عواقب عدم استكمالها. فعندما يكون لدى الطفل اهتمام راسخ بما يفعله، فإنه سيكون قادرا على الاضطلاع بمسؤولياته. وفي هذه السن يفهم الطفل من الدروس الإيجابية معنى كونه مسؤولا أو غير مسؤول.
أما طالب المرحلة المتوسطة فيمكنه تنفيذ العديد من المهام المنزلية، مثل غسل الصحون، ومسح الأرضية، وتشغيل الغسالة، ومجالسة الأخ الأصغر، وصنع أطباق بسيطة.
وفي سن المراهقة، حيث يبدأ كثير من الأطفال برؤية الظلم في العالم. تحدثي مع طفلك حول السبل التي يمكن أن تحدث فرقا في حل المشاكل الاجتماعية.
فبعضهم قد يبدأ بالتطوع في ملاجئ العجزة والأيتام، أو إعطاء الدروس للطلاب الأصغر سنا، أو مساعدة الأجداد أو الجيران المسنين. فهذه المهام يمكن أن تتطور لتصبح مشاريع خدمة عامة أكبر خلال سنوات المراهقة وما بعدها، وعندما يصبح الأطفال قادرين على تحمل المزيد من المسؤولية.
أما طالب المدرسة الثانوية فهو قادر على أن يكون مسؤولا عن أشياء كثيرة في المنزل والمدرسة. لذلك يجب أن يكون موضع ثقة، وان يعطى الفرص للمشاركة بشكل اكبر.
يجب أن يتحمل المراهق مسؤولية إدارة الوقت الذي يقضيه في التحدث على الهاتف، والاهتمام بالأعمال الروتينية في المنزل، مثل المساعدة في الحديقة، والطهي، ورعاية الأشقاء الصغار، وإدارة شؤون الأسرة، كالذهاب للتسوق. فامنحي ابنك المراهق حرية إدارة مصروفه الشخصي، حتى يتعلم دروسا حيوية من التجربة والخطأ التي سوف تحسن إعداده لإدارة شؤونه المالية عندما يصبح راشدا.
ما المهارات التي يحتاجها الطفل لتنمية روح المسؤولية؟ يمكن تعليم الطفل المهارات التالية والتي تكون ضرورية لتعزيز قدرة الطفل على أن يكون شخصا مسؤولا:
- المثابرة: علمي طفلك أهمية العمل على المهام والمسؤوليات حتى تنجز. وغالبا ما يكون الطفل في حاجة إلى التدريب وممارسة المهارات اللازمة لإكمال المهمة. حاول، حاول مرة أخرى يجب أن يكون أهم شعارات عائلتك.
- الالتزام بالعمل: علمي طفلك أن يلتزم بالقيام بالواجبات والأعمال المنزلية حتى يتم انجازها واجعليه يدرك أن طريقة القيام بالعمل لا تقل أهمية عن الناتج النهائي.
- اتخاذ القرارات: اطرحي البدائل وساعدي طفلك على دراسة المعايير قبل اتخاذ القرارات. وابدئي بتعليمه ذلك في سن مبكرة، وعندما يكبر الطفل، سيدرك السبب المنطقي لقراراته ويتمكن من التفكير في فوائد أو عواقب خياراته.
- الدافع: عندما يوجد لدى الطفل دوافع داخلية، فسيكون لديه النشاط والهمة لإنجاز المهام دون حث أو الحاجة لإثارة دافعيته لذلك.
فإذا كان الطفل يقوم بالمهام بدافع من العوامل الخارجية مثل: المال أو الجوائز، فسوف يتصرف بمسؤولية فقط إذا حصل على المال أو الجائزة، وقد لا يتصرف بمسؤولية في غياب المكافآت. اغرسي في طفلك أهمية تحمل المسؤولية لأنها واجب وشرف، وليس لأنه سيحصل على مكافأة مادية.
- إدارة الوقت: قد يواجه الطفل مشاكل في إدارة وقته ومهامه، وواجباته الدراسية. ويمكنك تعليم طفلك عمل مخطط يومي وجدول زمني. ارصدي أحداث ذلك اليوم حتى تتمكني من مساعدة طفلك على تصميم خطة لإدارة الوقت والمهام، وتقييم ما إذا أنجز مسؤولياته في الوقت المناسب.
- التواصل: نظمي اجتماعات منتظمة تتعلق بالمهام العائلية. واسمحي لكل طفل بالحديث، وعلى الجميع أن يستمع إلى سائر أفراد الأسرة لمناقشة المهام والإنجازات، والأخطاء. وشجعي طفلك على التواصل بالطرق التي أظهر بها مسؤوليته.
ماذا يمكن أن يفعل الآباء لتعليم أطفالهم المسؤولية؟
1- الوالدان النموذج: عندما يرى الطفل أن الوالدين يتحملان مسؤولية تسيير الأمور والاهتمام بالآخرين، ويلتزمان بالوصول في المواعيد المحددة، والمحافظة على الوعود، وعدم تقديم أعذار أو لوم الآخرين على أخطائهما، سيتعلمون الاعتماد على النفس والاستقلالية. وسيقومون بمحاكاة المسؤولية عندما يرون أمامهم أمثلة ملموسة وليس مجرد سماع آبائهم يقولون لهم كونوا مسؤولين. وجود النموذج سيكون له آثارا طويلة المدى.
2- التحدث عن تحمل المسؤولية: وتخصيص وقت يومي للتواصل ومناقشة أحداث ذلك اليوم، والتحدث بشكل دوري عن السلوك المسؤول. ومناقشة أمثلة محددة عن أشخاص يعرفهم الأطفال، وكيف يتصرفون بمسؤولية، وما ترتب على القيام بذلك من فوائد شخصية واجتماعية.
3- توضيح ماهية السلوك غير المسؤول، فعند القيام بخطأ ما ، فإن الاعتراف به والسماح للطفل بأن يتعلم بأن الوالدين يتعلمان من الأخطاء، وأنهما سوف يعملا على أن يكونا أكثر التزاما ومسؤولية في المستقبل أمر مهم. وبالمثل، عندما يقوم الطفل بارتكاب خطأ، فعليه أن يتحمل مسؤوليته. بالإضافة لذكر أمثلة عن أشخاص يتصرفون بشكل غير مسؤول، والحديث عن الآثار السلبية التي يواجهونها بسبب سوء اختياراتهم. إن مشاركة الأطفال في المناقشة والاستماع إلى المدخلات سوف يعلمهم ألا يكونوا غير مسؤولين. فعندما يرى الأطفال كيف تؤثر التصرفات اللامسؤولة على حياتهم وحياة الآخرين، فإنهم سيدركون أن الناس ستتحسن أحوالهم إذا اتخذوا قرارات حكيمة ونابعة من ضمير حي.
4- استخدام القصص: تفيد القصص في تعليم دروس هامة عن المسؤولية والصفات الشخصية الأخرى. أما القراءة فتسمح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم حول طابع تصرفات أو سلوك ما وتمكنهم من التعرف على الشخصية، وفهم كيفية ارتباط تجربة هذه الشخصية بحياتهم الخاصة. عندما يقرأ الأطفال عن الشخصيات التي تتصرف بشكل مسؤول أو غير مسؤول، يتم استخلاص العبرة بحيث يفهمون لماذا تتصرف الشخصيات بهذه الطريقة أو تلك.
كيف تساعد تنمية الحس بالمسؤولية على التقدم أكاديميا؟
يكتسب الأطفال أشياء كثيرة من تعلم المسؤولية في المنزل، فهم يشعرون أكثر فأكثر بأنهم جزء من الأسرة عندما يشاركون في المهام التي تساعد على وحدة الأسرة بأكملها. وبالمثل، يشعرون بالإنجاز في المدرسة عندما يتحملون مسؤولية أداء مهام معينة وينجزونها بشكل ممتاز. وتتحسن مهاراتهم التنظيمية في المنزل والمدرسة عندما يتصرفون بمسؤولية. والطالب صاحب الضمير الحي يفهم بأن عليه مسؤولية التعلم. والمكافأة الذاتية للعمل الذي أتقنه ستحفز الأطفال للقيام بالمهام الأخرى التي تساهم في عمل المنزل أو في غرفة الصف. وكلما زاد اعتدادهم بأنفسهم زاد فرصهم بالنجاح.
ومن خلال توفير الفرص لممارسة السلوك المسؤول، يبدأ الأطفال باعتبار أنفسهم جديرين بالثقة ويمكن الاعتماد عليهم، وزيادة شعورهم بهويتهم. فيساعده كونه طفلا مسؤولا ومنتجا على الشعور بأهميته.
إن أطفالنا بحاجة إلى وجود شعور عميق بالمسؤولية، ليحققوا النجاح، وليصبحوا مواطنين يوثق بهم، ويمكن الاعتماد عليهم في حل المشكلات التي تواجههم في حياتهم الدراسية والعملية.
المراجع
alrai.com
التصانيف
حياة أطفال طب أطفال