مسيحيون عرب

المسيحيون العرب، هو مصطلح يطلق على معتنقي المسيحية من العرب سواءً من خلال  النسب العربي أو بحكم انتشار العروبة كلغة وثقافة وهوية بين معظم أتباع هذه الطوائف. يُختلف حول تحديد هوية الطوائف المكونة للمسيحيين العرب، فبينما يرى البعض من البحاثة أن التصنيف يشمل فقط الروم الأرثوذكس المنظمين في ثلاث  بطريركيات  في أنطاكية  والقدس  والإسكندرية  ويتفرع من هذه الكنيسة الروم الكاثوليك إلى جانب أقليات من الرومان الكاثوليك أو "اللاتين" كما تشيع تسميتهم في مناطق تواجدهم والبروتستانت، يفضل البعض الآخر من البحاثة بمن فيهم مراجع كنسيّة إضافة كلٍ من الأقباط والموارنة وهما بموجب هذا التصنيف أكبر طائفتين على التتالي ضمن الطوائف المصنف أتباعها كمسيحيين عرب، علمًا أن بعض الأنظمة القومية العربيّة صنفت مواطنيها من السريان والآشوريين على أنهم عرب، غير أن هذا الرأي مكث ضعيفًا.

المسيحيون العرب ليسوا وحدهم مسيحيي الوطن العربي، فهناك أيضًا الوجود التاريخي لكل من السريان والأرمن والوجود الحديث للأثيوبيين والإريتريين والهنود وسواهم من الجاليات الوافدة سيّما على دول الخليج العربي.

تكون البرازيل أكبر تجمّع سكاني لمسيحيين عرب، وتشكل مصر أكبر تجمّع داخل الوطن العربي في حين يشكل لبنان التجمع الأعلى من حيث النسبة؛ هناك تواجد ملحوظ للمسيحيين العرب في سوريا والأردن وفلسطين وإسرائيل وبعض الدول المجاورة كتركيا سيّما في أنطاكية، إلى جانب جماعات أصغر حجمًا في العراق  والكويت  والبحرين ودول المغرب العربي؛ أما المغترب المسيحي الذي نشط في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وتسارع مع نوائب القرنين العشرين والحادي والعشرين أبرزها غزو العراق، فهو ممتد من أستراليا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية ونظيرتها الجنوبية، وقد سطع نجم عدد وافر من الشخصيات العربية المسيحية المهجريّة في مناصب سياسية واقتصادية بارزة، علمًا أن المسيحيين العرب يحتفظون بهويتهم الأصلية عن طريق "أبرشيات المهجر" وغيرها من المؤسسات.

يُذكر كذلك أن المسيحية قد دخلت إلى مناطق العرب التاريخية في شبه الجزيرة حوالي القرن الثاني وبحسب عدد من قدماء المؤرخين العرب أمثال الطبري وأبي الفداء والمقريزي وابن خلدون والمسعودي أن بضعًا من تلاميذ المسيح هم من بشرّوا في أصقاع الجزيرة العربية، وقد تقوّت المسيحية العربية فيها بعد تنصّر قبائل كبيرة كليًا أو جزئيًا أمثال  تغلب  وطيء  وكلب وقضاعة وتنوخ فضلاً عن المناذرة مؤسسي المملكة العربيّة جنوب  العراق  والغساسنة  مؤسسي المملكة العربيّة في الأردن وجنوب سوريا سيّما حوران، وعدد من القبائل الأخرى. عقب ظهور الإسلام في القرن السابع، تعاون أغلب المسيحيون المشرقيون من عرب وسواهم مع الفاتحين وتمازجوا مع ثقافتهم فضلاً عن اعتناق قسم من هذا النسيج للدين الجديد، وتم حفظ أغلب الكنائس والأديرة سالمة، إلى حريّة ممارسة الشعائر دون قيود سيّما أيام الدولة الأموية والعصر العباسي الأول؛ إلا أنه مع العصر العباسي الثاني سيّما خلال وإبان خلافة المتوكل على الله تعرّض المسيحيون إلى اضطهادات جمّة وسوء في المعاملة، أدى ذلك إلى اختفاء المسيحية بين القبائل العربيّة من جهة، وهجرة الحضر من المسيحيين نحو الجبال وغيرها من المناطق العصيّة؛ يسجل التاريخ اللاحق تكررًا للاضطهادات، أيام المماليك والعثمانيين، ويُفترض أن الخط الهمايونى الذي صدر عام 1856 هو أول وثيقة ساوت بين المسلمين وغيرهم من مواطني الدولة، ولاحقًا أكدّت الدساتير المحليّة لمختلف الدول فضلاً عن الشرائع الدوليّة على هذا الحق، علمًا أن المرسوم المذكور - كالقررات التمييزية المطبقة قبله - يُفترض أنه مستمد من الشريعة الإسلامية والمذهب الحنفي على وجه الخصوص.

لا يزال للطوائف المصنف أتباعها كعرب، دور بارز في المجتمع العربي، لم ينقطع، لعلّ أبرز مراحله النهضة العربية في القرن التاسع عشر، كما لهم اليوم دور فاعل في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

التاريخ

في الجاهلية

لم يكتب العرب تاريخهم قبل القرن التاسع أو الثاني للهجرة، وكانت معظم اهتماماتهم حين بدأ التأريخ تتلخص في تدوين التاريخ العام، وبشكل خاص تسجيل الشعر الجاهلي والمفردات اللغوية المنقرضة أو التي كادت، والأمثال والحكم وبعض الشذرات التاريخية، فلم يبدوا اهتمامًا واسعًا بالمسيحية بين العرب، أو بأي من الديانات، مما فسح المجال لتضارب الروايات وضعف البينات طوال قرون عدة.

ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ساهمت الاكتشافات الأثرية في شبه الجزيرة العربية واليمن من أبنية مسيحية، كأطلال الكنائس والأديرة أو الرقم وما عليها من كتابات ذات مدلول ديني، مع مقابلة مختلف الروايات ببعضها بعضًا، واهتمام المستشرقين الحثيث، في إيضاح الصورة عن المسيحية العربية في الجاهلية قبل الإسلام.[14]بداية، فإنّ العهد الجديد يذكر صراحة وجود عرب في القدس حين حلّ الروح القدس على التلاميذ الاثني عشر،[أعمال 2/41] وذكر القديس بولس في رسالته إلى غلاطية أنه أقام في "بلاد العرب" مبشرًا قسطًا من الزمن،[غلاطية 1/17] وأغلب الظنّ أن "بلاد العرب" التي قصدها هي "الولاية العربية" التي تشمل حاليًا الأردن وحوران وسائر جنوب سوريا، وكانت عاصمتها بصرى الشام  فيستنتج إذن، بناءً على العهد الجديد دخول المسيحية الباكر بين العرب، يضاف إلى ذلك ما رواه الطبري وأبو الفداء والمقريزي وابن خلدون والمسعودي مجتمعين، بأن تلامذة المسيح هم من انتشروا في الجزيرة العربية مبشرين بالدين، ومنهم على وجه الخصوص متى وبرثلماوس وتداوس،[16] وقبلاً كان مؤرخون سريان ويونان قد عدّوا العرب "ضمن الشعوب المتنصرة" ومنهم أوسابيوس القيصري وأرنوبيوس من القرن الثالث وثيودوريطس من القرن الخامس.

على سبيل المثال، من المعروف أن إدراة الأردن تحت الحكم الروماني كانت خاضعة لقبيلة قضاعة، ومن الثابت أن هذه القبيلة قد اعتنقت المسيحية منذ عهد الملك مالك بن فهم كما ذكر اليعقوبي، وبعد أن زالت سلطة بني قضاعة تلاهم بني سليح وهم أيضًا من "نصارى العرب" كما صرّح المسعودي في «مروج الذهب» وأخيرًا حكم تلك المناطق قبيلة غسان الذين أثبت كونهم مسيحيين المسعودي في «مروج الذهب» وابن رسته في «الأخلاق النفيسة» وأبو الفداء والنويري وغيرهم،  وهناك أبيات شعر للنابغة الذبياني يشيد فيها بملوك غسان مهنئًا إياهم بعيد الشعانين، وأوسابيوس القيصري في القرن الثالث يقول أن أغلب سكان "جنوبي بلاد الشام" من العرب من المسيحيين مع اختلاط بيهود وبعض البطون التي حافظت على الوثنية.[20] وفي البلقاء وغور الأردن كانت البلاد خاضعة لحكم الضعاجمة الذين اعتنقوا المسيحية خلال عهد داود بن الهبولة أواخر القرن الثاني، وبالقرب منهم كان الأنباط بدورهم مسيحيين وقد احتفظوا بدينهم حتى بعد ظهور الإسلام كما أثبت ياقوت الحموي وقال بديع الزمان الهمذاني.  أما في سيناء وهي أيضًا من المناطق التاريخية لانتشار القبائل العربية، والتي كانت تتبع إداريًا للكنيسة المصرية ومقرها الإسكندرية، فقد انتشرت المسيحية بقوّة أيضًا، وبحسب التقليد فإن ميتا الذي خلف يهوذا الإسخريوطي هو من بشر في سيناء،  وبعيدًا عن التقاليد الكنسية هناك وثائق من أواخر القرن الثالث لديونيسيوس بابا الإسكندرية يذكر فيها رعاياه من العرب في سيناء، وما لاقوه من اضطهاد أيام الإمبراطور ديوكلطيانوس.

وقد كان لليمن حصة بارزة في المسيحية العربية، وقد ذكر مؤرخون من أمثال روفينوس وهيرويزوس أن متى هو مبشر اليمن والحبشة،  وبينتانوس الفيلسوف ترك الإسكندرية في القرن الثاني وتوجه نحو اليمن مبشرًا كما قال أوسابيوس، وربما ظلّت المسيحية خلال المرحلة الأولى في المناطق الساحلية متأثرة بمواكب التجارة البيزنطية،  ومما يؤخذ من أمهات كتب العرب كتاريخ المسعودي وسيرة الرسول لابن هشام أنّ المسيحية تقوّت خلال القرن الثاني ودخلت في خصومة مع اليهودية منذ القرن الثالث، خصوصًا بعد ارتداد الملك عبد كلال بن مثوب إلى المسيحية من اليهودية حوالي عام 273، ثم ارتد خليفته من بعده إلى اليهودية مجددًا ويبدو أنه عادوا إلى المسيحية قبل 458 حيث اكتشفت نصوص حميرية عن كنيسة شيدها الملك في ذلك العام، ولعله الملك مرثد بن عبد الكلال، غير أنه وبعد هذا كما قال  الثعالبي  والفيروزآبادي وغيرهما أن "أغلب ملوك اليمن وشعبه كانوا من المسيحيين".

كما كان للمسيحية في عُمان الكثير من القبائل وأساقفة ذكرهم ياقوت، وكذلك هو الحال في الساحل الشرقي أي قطر والبحرين والإمارات حاليًا، فإلى جانب الوثنية التي لم تختف من تلك النواحي فإن بني تميم إحدى أكبر قبائل العرب كانوا من المسيحيين يرأسهم المنذر بن سادي ومن مشاهير تلك الحقبة بشر بن عمرو وطرفة بن العبد.

ويذكر كذلك تنصّر قسم كبير من قبيلة إمرئ القيس وهم غالبية سكان الساحل الشرقي؛ وإلى جانب الجزيرة العربية وبادية الشام فإن العراق سيّما جنوبه كان دومًا موطنًا للقبائل العربية، جلّ هذه القبائل كانت قد اعتنقت المسيحية ولعل أبرزها وأكثرها شهرة المناذرة، وأول ملوكها جذيمة الأبرش الذي اتخذ من الأنبار عاصمة له، وقد تعاقب سلسلة من الملوك المسيحيين حتى الفتح الإسلامي في القرن السابع، وإلى جانب المناذرة كان بنو إياد من عرب العراق مسيحيين وقد أثبت ذلك البكري في كتابه «معجم ما استعجم» وكذلك حال بني لخم. وذكر ابن خلكان أن جميع قبائل العراق اليمانية الأصل قد تنصرّت بما فيه تيم اللات وكلب والأشعريون وتنوخ ومنها انتقلوا نحو البحرين وذلك خلال القرن الرابع. ولم يكن انتشار المسيحية أقل في الجزيرة الفراتية حيث قطن بنو بكر وبنو مضر وكلاهما من القبائل التي اشتهرت بالمسيحية وتكريم القديس سرجيس على وجه الخصوص.

حيث  أثبت مسيحية بني مضر وبني ربيعة وكذلك بني إياد جملة من المؤرخين السريان واليونان وكذلك المسلمين أمثال ابن قتيبة في «كتاب المعارف» وفي كتاب «السيرة الحلبية» وقال ماروثا أسقف تكريت أن تحت ولايته ثلاثة أساقفة لبني معذ وبني تنوخ؛ وفي تدمر العربية وقربها القريتين آثار مسيحية وبقايا كنائس ونقوش تشير إلى انتشار المسيحية فيها فضلاً عن مقام للقديس سرجيس، وقد صرّح ياقوت الحموي أن سكان النبك والقريتين كانوا حتى أيامه "جميعهم من النصارى" وذلك في القرن الثالث عشر وعمومًا فإن القبائل العربية التي سكنت سوريا قبل الإسلام أغلبها من بني غسان وتغلب وتنوخ سيّما فرعها كلب وجميع هذه القبائل لم يشكك قدماء أو معاصرو المؤرخين بصحة كونها قبائل مسيحية.

 

 

 


المراجع

areq.net

التصانيف

عرب  مجموعات عربية  مسيحية  مسيحيون عرب  عرقيات مسيحية   الدّيانات