أروع ما في الثورات العربية أنهّا:
أثبتت أنَّ هذه الأمة العظيمة، لايستطيع أحدٌ أن ينتزع منها حنينها إلى الكرامة، و العزّة، والتوْق إلى الحرية، وأنّ هذه القِيم الوضَّاءة، ستبقى فيها كامنة، مهما اشتدّت سطوةُ الطغاة فيها، وطال زمنُ الإسبتداد عليها، إلى أن تتفجر منها كالبركان الهائج، والبحر المائج.
وأنَّ أشجع أمم الأرض، هي أمّتنا المجيدة، ذلك أنهّا وحدها التي ابتُليت بأسوء أنظمة سياسية عرفها التاريخ، وأشدّها قسوة، وأشنعها تغوُّلاً، ووحشيّة، وأخسها في التعامل مع شعوبها، ومع ذلك، فقد ثارت شعوبنا على الطغاة، وانتفضت ضدّ البغاة، رغم إهراق الدماء، وتمزّق الأشلاء.
ولاريب أنَّنا إذا ذكرنا شجاعة شعوبنا، فلنضع التاج الأضوء تألقاً، المرصَّع بلآليء الشموخ، وجواهر الشمَم، على رأس الشعب السوري، ذلك أنه أعظم شعوبنا بلاءً بقسوة النظام، وأتعسها حظاً ونصيبا بالحرية، ورغم ذلك، فقد انطلق ثائراً كالإعصار، وماج كلهيب النار، غير عابئ بالدم الدفيق، ولا بوَعَثِ الطريق، ولا بخذلان الصديق.
أما اليمن فللّه درُّ أهل اليمن، ولَنعْمَ الشعب، في نعم الوطن، ولقد سبق هذا الشعب جميع شعوبنا، في عزيمة التغيير، مع حكمة التنظير، وأثبت أنَّ المجتمع القبلي المحافظ لا يعني أنه سيخضع للإستبداد، أو يجهل طرقَ الحكم الرشاد، بل هو يتفوَّق على غيره في الإبداع السياسي، في وضع نظام العدالة، والكرامة، مكان نظام عبادة (الزعيم) و(الكراسي).
ثمَّ انظروا بفخر إلى نساء اليمن كيف شاركن بكمال الحشمة، في إصلاح الأمة، فأثبتنَ أنّ الحجاب لايحجب الدور الألق لعقل المرأة المسلمه، بل يحجب عن عقلها خرافات العلمانية المجرمه.
هذا.. ولاتسلْ عن شعب ليبيا البطلْ، عجيبٌ أمرُه، جليلٌ خطرُه، طويلٌ صبرُه، عليُّ في الجهاد شرفهُ، وذِكرُه.
أما الجزائر فتريَّثوا عليها، فلن تلبث حتى ترنو أبصاركم جميعا إليها، فإنه شعبٌ يحسب الأعداء لغيره الحساب، فيحسب للجزائريين ألف حساب، وإنهم لفي الطريق، فإن ثاروا فخلُّو لهم _ لعمري _ الطريق.
وفي المغرب.. يا له من مغرب.. إنا لنسمع زئيرَ الأسود الصارمة، والليوث العازمة، للوثبة اللاّزمة، والثورة العارمة، بالنهضة الحاكمه.
وقريبا سيشتعلُ شعبها متسلقاً جبالَ الثورة الماجدة ليأخذ نجوم الجوزاء بيمينه، فيجعلها شعار الحرية على جبين المغرب الجديدة القائدة، بإذن الله تعالى.
وإنَّ العروبة لتنتظركِ يا موريتانيا فأين دورُك، ومتى يزول عنك جورُك، ويرتفع بالعدل أمرُك، ويعلو إلى أبعد مدى بالحرية شأوُك.
أما تونس الحبيبة، فليت شعري أيُّ شيء نقول لتونس، وهي التي أيقظتنا من سُباتنا، بل أحيتنا من مواتنا، وأنارت لنا السبيل، وأوضحت لنا الدليل، وإيم الله إن الكلمات لتقف بإستحياء، إذ هي عاجزة عن حقِّ الوفاء.
أما خليجنا المحروس، وشعبه المحبوس ! فلن أقول:
إلى كمْ أنتَ تهتفُ بالعبيدِ……..وما أجْــداكَ إيقــاظُ الرُّقــودِ
فدعْكَ فلنْ تثيرَ نيامَ قوم……..ٍوطبعُ الرقِّ فيهم من عهودِ
بل سأقول :
إذا أيْقظتهمْ ذكروُا جدودا……..سموْا فتسلَّقوُا المجدَ المجيدا
فثــاروُا للعلاءِ لـهمْ زئيـر……..كـأنَّ القـومَ قدْ خُلقوا أسـوُدا
غير أنِّ لكلِّ عزِّ أوانه، ولكلِّ مجدٍ إخوانه.
أما العراقُ فهو _ واسوأتاه _ ضحية لإحدى جنايات النظام العربي الذي في طريقه إلى الهلاك.
شمخَ العراق حتى بلغ فلكَ العزة الأعلى، ونجم المجد الأجلى، ثم خانوه فأسلموه، وخذلوه فضيَّعوه، وبكلِّ سوء كافأوه، حتى صار تحت مخلب الفُرس المجوسية، وبين أنياب الصهيوصليبية، يستصرخ فلا صَريخ، ويستنجدُ فلا مُصيخ.
غير أنَّ شعب الرافدين لن يطول به الزمن حتى يثبَ نمورُه، ويعتلي الأطوادَ صقورُه، فتربَّصوا به تربصَ المستيقنين، فقد انطلقت شرارةُ ثورته الآن في صلاح الدين، وبهذا الإسم تيمن المسلمين.
وأما السُّودان فسبقت بالإصلاح، وعاشت منذ زمن تلك الأفراح، وأهلها سيكملون المسير، بهدوئهم المعتاد، وسكينتهم المعروفة بين العباد
ودعنا من ذكر مصر، فهي الأمُّ التي بقِيم حضارتنا مُفعمة، وهي الكبيرة المعلِّمة، وهي بحرُ التغيير المحيط، وبركانُ الثورة النشيط، وما من تغيير صالح في الأمة، إلاّ وفي رقبته لمصر منّة.
والخلاصة أنَّ شعوبنا أثبتت أنها أمّة الكرامة، والعزَّة، والشجاعة، والحرية.
وما سيأتي بإذن الله أعظم تألُّقا، وما ستشرق به شمسها من الخيرات، بإذن الله أروع مشرقا.
هذا وتأملوا معي فيما أنزل الله على هذه الأمة من أعظم الهدى، وأرشد الخير العاصم من الردى، في قوله تعالى (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا)
وكيف دلَّ ربُّنا هذه الأمة على أنَّ الوهن الذي يصيب الإرادة، والضعف الذي يصيب العزيمة، والإستكانة التي هي ضد (وأنتم الأعلون)، هي الأدواء العظيمة التي تُسقط الشعوب في براثن الرضا بالظلم، وتُقيّدها بأغلال الرقِّ للطغاة.
فإنْ هي تخلَّصت من هذه الأدواء، فامتلأت النفوس بصلابة الإرادة، وقوة العزيمة، وشموخ العزّة، بعد التوكُّل على الله تعالى، فسوف تنتصب هامتها، وسترتفع قامتها، وتعلو رايتها بإذن الله تعالى.
وإذ قد نفضت أمتنا غبارَ الوهن، والضعف، والإستكانة، فحري بنا أن نقول : إنَّ حضارتنا قريبة بإذن الله إلى النصر المبين، لتشعل منار الهدى للعالمين.
طريقُ النهضةِ الكبْرى برعْـدٍ
فبـعدَ العشْرِ تأتيكَ الهدايـهْ
بجاثيةٍ ثمانٌ بعــدَ عشــرٍِ
وفيـها البدءُ من نعْـمَ البدايهْ
وإيمانٌ بما يحويـهِ وحـــيُّ
على إثـْرٍ من الخمسينَ آيـهْ
بسورةِ توبـةٍ تُتلــى بفهْـمٍ
فتُعلي أمـّة الهـادي برايـهْ
نسأل الله أن يتممَ ربيع أمتنا بإشراقةِ الزهور، وعبيرِ العطور، وأفراحِ الحبور. بعهد جديد يفوحُ بعبَق العدل، وينْتشي بنسائم الحرية، وينتعشُ بضياء الكرامة. في ظلالِ إسلامنا الوارفه، وأُخوّته الآلفه، وتعاليمِه التي بكلّ خيرٍ سالفه.
والله المستعان، وهو حسبنا عليه توكلنا، وعليه فليتوكل المتوكلون.
المراجع
عودة و دعوة دوت كوم
التصانيف
حضارات
|