مجازر 8 أيار 1945
هي مرحلة أليمة وصعبة في تاريخ الجزائر ذهب ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد قتلوا على يد الاستعمار الفرنسي السفاح.وما تزال الكثير من الحقائق غامضة بخصوص تلك الجريمة التي ارتكبتها فرنسا في حق الإنسانية، وكيف بسطت الطريق لثورة المليون ونصف المليون شهيد (ثورة أول تشرين الثاني1954).
يعتبر ملف الذاكرة واحدا من أهم الورشات الحساسة بين الجزائر وفرنسا، ففي آخر رسالة قام الرئيس عبد المجيد تبون بتوجيهها بمناسبة إحياء اليوم للذاكرة، السبت، دل إلى أن مجازر 8 ماي هي من أهم الملفات العالقة بين البلدين وقال تبون(المصالحة مع فرنسا لن تأتي دون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة والتي لا يمكن بأي حال أن يتم التنازل عنها مهما كانت المسوّغات) وأشار إلى أن القضية تندرج مع الكثير من القضايا الأخرى التي لا تزال عالقة منها استرداد رفات شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين واسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية
هكذا يأتي يوم 8 أيار من كل سنة كمحطة لتكرار تذكير الأجيال ببشاعة الاستعمار الفرنسي وقبحه، أو كما غرد الوزير الأول عبد العزيز جراد قائلا: (ستبقى مجازر 8 أيار 1945 مغروسة بوجدان الجزائريين، وعلى الشباب الاستلهام من مقومات الشخصية الوطنية والتسلح بالإرادة والعمل لربح معركة بناء المؤسسات لتحصين الوطن)
مجازر 8 ماي وحلم الاستقلال
في مثل هذا اليوم، دقت الأجراس في فرنسا للإعلان الرسمي عن انتهاء الحرب العالمية الثانية وفوز باريس على النازية. إنها الحرب التي استعملت فيها فرنسا الجزائريون وشعوب الدول المستعمرة كجنود في الصفوف الأولى لهزيمة الألمان (أكثر من 300 ألف رجل مجند في الجيش الفرنسي وفقًا لأرشيف الخدمة التاريخية للدفاع). وبالتوافق مع إعلان نهاية الحرب العالمية الثانية، انتهز المناضلون الجزائريون الفرصة لترتيب مسيرات تناشد بإطلاق سراح الزعيم الجزائري مصالي الحاج (مؤسس حزب نجمة شمال افريقيا عام 1929) والمطالبة بالاستقلال، في مسيرات شهدت عدة مدن أبرزها قالمة وسطيف وخراطة.
ويروي المؤرخ بوعلام خلفه جانبا من مجازر 8 مايو 1945، وقال في كتابه عن تاريخ الجزائر الصادر عام 1987:( ماي 45 إنها الحقيقة المروعة، مذابح لعشرات الآلاف من الرجال والنساء، ميليشيات أوروبية أعطت نفسها الحق في قتل الجزائريين، حرق للجثث ومقابر جماعية)
في سطيف، كان ذلك الصباح عاديا، حيث اعتاد الناس التوجه إلى سوق الثلاثاء، وفجأة تحول الموضوع إلى مسيرات كبيرة أمام مقهى فرنسا المعروف وسط المدينة، وكان الشاب وعضو الكشافة بوزيد ساعل (26 عام) يتزعم المسيرة. في البداية، هتف وردد المحتجون أناشيد وطنية أبرزها أنشودة من جبالنا ورفعوا علم الجزائر لأول مرة، وفورا طالب محافظ الشرطة الفرنسي المحتجين بالمغادرة وإنزال الراية، ولكن الكشاف بوزيد لم يقبل الالتزام لأوامره ليوجه المحافظ رصاصة قاتلة له، وهكذا سقط أول شهيد في واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبها المستمعر.
ويقول المؤرخ الفرنسي بن جمان ستورا إن المجازر جاءت وسط بيئة معقدة، حيث تأهب الأوروبيون من أن يستطيع الجزائريون من فك الارتباط مع فرنسا توافقاً مع السياق الدولي الجديد والحصول على الاستقلال، وهو ما يعني بالنسبة للأوروبيين خسارة العديد من الامتيازات في الجزائر.
ووفق هذا الطرح، يحلل المورخون زيادة الأحداث نحو العنف والقتل بشكل سريع وكيف تحصل الأوروبيون على أسلحة من الشرطة لإبادة الجزائريين بصورة عشوائية، وقد تكونت ميليشيات في قالمة بموافقة السلطات الفرنسية وأعطت الأوروبيين حق إطلاق النار على المدنيين الجزائريين الابرياء.
هذا المشهد الدرامي توقف بمقتل 45 ألف جزائري بحسب أرقام القنصلية الأميركية، وهو ما دفع بالجزائريين للاقتناع بأن لا حل مع الاستعمار الفرنسي إلّا القيام بثورة للحصول على الاستقلال.
الملف أمام محكمة العدل الدولية
وكما يقول ستورا، فإن تلك المجازر كانت نقطة تحول أساسية في تاريخ الجزائر، فبعد تسع سنوات من أحداث 8 ماي، ظهر جيل جديد من القوميين الجزائريين حملوا مبدأ الكفاح المسلح وقد عدّوا أن مطلب الحكم الذاتي أصبح من الطراز القديم لصالح شعار الاستقلال.
واليوم ما زالت الجزائر تدعو فرنسا للاعتراف بتلك الجرائم. ففي أحدث الخطوات التي تحاول الجزائر القيام بها للضغط على فرنسا، أعلن عبد الحميد سلاقجي، رئيس جمعية 08 ماي 45، عن توجه الجمعية نحو رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي، ضد جنرلات وضباط المستعمر الفرنسي الأحياء والأموات من الذين تلطخت أيادهم بتلك الجرائم البشعة.
وتأتي هذه الخطوة، بعدما سجلت الجزائر تحفظا على طريقة تعامل تقرير ستورا الخاص بالذاكرة من موضوع مجازر 8 ماي 1945، حيث لم تصل توصياته بالشكل اللازم إلى الجرائم التي قام بها الجيش الاستعماري.
في مقابل ذلك، دعا المؤرخ الفرنسي أوليفييه لوكاور غراندميزون، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاعتراف بشكل بيّن وصريح بجرائم 8 ماي بعدها جرائم ضد الإنسانية. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن المؤرخ الفرنسي بمناسبة إحياء ذكرى 8 ماي، قوله: (يجب أن يعترف بشكل واضح وصريح، بأن الجرائم التي ارتكبت كانت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما تنص على ذلك المادة 212-1 من قانون العقوبات الفرنسي)
المراجع
skynewsarabia.com
التصانيف
انتهاك حقوق الإنسان تاريخ الجزائر تاريخ فرنسا حرب الجزائر مجازر في الجزائر مجازر جرائم حرب في الجزائر 1945 في الجزائر الجزائر التاريخ انتهاكات فرنسا