غبت عن هذا الحيز،عن هذه الزاوية،قرابة الشهرين،ليس لأنه لم يكن لدي شيء أقوله،ولا لنقصٍ في المواضيع الإعلامية التي كنت أكتب عنها.


لربما على العكس من ذلك،غبت لكثرة القضايا التي شغلت بالي،وكان عليّ الاهتمام بها صحافياً،من خلال تغطيتها مع الزملاء في “الغد”،من كتاب ومحررين ومندوبين.


افترقنا مؤقتاً مع بداية أسبوع أُعلنت خلاله نتائج مسح ميداني حول قراءة ومتابعة الصحف اليومية في الأردن،فما إن ظهرت ملامح ذلك الاستطلاع حتى أخذت تكتب عنه وبحدّة إحدى الصحف الزميلة التي لم تعجبها النتائج.


تزامن ذلك مع موعد كتابة المقالة الأسبوعية التي كنت بدأتها مع بداية عملي في “الغد”،ولما لم أجد مندوحة عن طرق الموضوع إياه في ذلك الأسبوع،فضلت أن لا أكتب على أن أُقحم في مناوشة وقررت أن أدع الأيام تمر من غير كتابة تفادياً للجدل العقيم وافتعال المعارك بين الصحف الزميلة.. فكان ذلك الافتراق المؤقت الذي فرضته على نفسي بعد أن كنت أعددت بحثين للكتابة عنهما وهما الصحافة الإلكترونية في العالم العربي (والغربة) وامتهان الصحافة كبزنس أو كعمل تجاري في الأردن وغيره من الدول العربية.


لا أحد أو قليلون منكم من يذكر أنني كنت لتوي بدأت مسلسلاً من الحديث حول الإعلام العربي بدءاً بالفضائيات. وكان الكلام انصبّ في حينه على قنوات “العربية” و”الجزيرة” في أولى المقالات،ولو أن الأمور لم تأخذ المنحى الذي ذكرت لكنّا الآن وصلنا مرحلة أنضج تجاوزنا فيها قضايا أبعد وأكثر ولربما أشمل وأشد حساسية من تلك التي تُعنى فقط بالتنقل بين مدارات ومدارك إعلامية أردنية وعربية طالما طرقناها أو اخترنا أن نطرقها.


هذا بعض ما فاتنا.


مررنا خلال الأسابيع الماضية بحملة انتخابات نقابة الصحفيين. لم أكتب عنها شخصياً ولكن قراء “الغد” تابعوا تفاعلاتها أولاً بأول على صفحات الأخبار والآراء والتعليقات.


كذلك مررنا،زملائي رؤساء تحرير الصحف الأردنية وأنا،بموضوع المواطنة العربية وموضوع ترسيخ ثقافة القانون في المجتمع وعلاقتهما بالإعلام،اللذين عقد من أجلهما مؤتمران الأول في الرباط في نيسان،والثاني بالقرب من البحر الميت في أيار.


كما مررنا بحفل إعلان وتسلّم جوائز الصحافة العربية الذي أُقيم في دبي أواخر نيسان،والتي تستحق مجرياته المراجعة والتحليل بأكثر مما استطعنا تحقيقه حتى الآن وبعد السنوات الثماني التي مرت منذ التأسيس لهذه الجوائز عام 2000.


كانت فترة شبه عصيبة تلك التي شهدت تزامن هذه القضايا مع ما حدث هنا في الأردن من تعامل لوسائل الإعلام مع نوايا بيع أراضي الدولة ومباني القيادة العامة الجديدة وبعض أراضي مدينة الحسين الطبية ومقاومة الرأي العام لمثل هذا التوجه،فضلاً عن هموم أخرى متفرقة لا تقل أهمية تمددت أبعادها وتفاعلاتها،وإن كان ذلك بطريقة أقل وضوحاً وعلانية،على فضاءات وفي مساحات الإعلام والصحافة. أذكر على سبيل المثال منها الارتفاع الشاهق لأسعار الطعام والغذاء وتأثيرات الغلاء الفاحش لكلف السلع والمواد، بالإضافة الى أصداء وتبعات تذبذب الأرقام والحقائق حول معاناة الناس اليومية جراء ما كان يحدث على هذا الصعيد.


لم تقف أو تتوقف “الغد” عن الكتابة،عن التمحيص والتحليل،في هذه القضايا كما فعلت أنا شخصياً في هذه الزاوية،وقد يكون ذلك ضريبة وظيفية يدفعها بالضرورة أي رئيس تحرير.


دعوني لا أدعي الفقر أو العجز أو قلة الحيلة من وراء ما أقوم به من عمل أو وظيفة.


فلقد عدت لتويّ من رحلة لدرة الشواطئ اللازوردية على البحر الأبيض المتوسط،إمارة موناكو،والتي دعيت إليها لأشهد مجريات المسابقة العالمية لرواد رجال الأعمال (تنظمها مجموعة ارنست اند يونغ الدولية) والتي شارك فيها هذا العام ممثلاً لمنطقة الشرق الأوسط أردني فذ بدأ حياته “الاعمالية” كبائع حلوى صغير (حين كان طفلاً في السادسة) حتى كبر ونجح في بناء إمبراطورية أدوية تباع وتشترى أسهمها في سوق لندن للأوراق المالية اليوم.


ذهبت الى هناك لا لأنسى الهموم التي شغلتني ليل نهار، وإنما للبحث عن موازنتها بحدث إيجابي أو بواحدة من التطورات الحضارية التي يجب أن لا يغفلها إعلامنا في أي مقام.


لا أريد المبالغة في ضرورة إحداث مثل هذا التوازن في عملنا الإعلامي،خوفا من أن اتهم أنني أزاود على الدولة الأردنية أو طبقة رجال الأعمال في إصرارهم الدائم على ذكر وتعداد الإنجازات على حساب غيرها. لكن للحقيقة أعتقد أن ما من تجربة تنجح في بناء دولة حديثة كالأردن من دون أن يقوم إعلامها بتغطية،سلباً أم إيجاباً،ما بناه ويبنيه كلّ يوم رواد مثل سميح دروزة ورجال أعمال كبار مثله ككمال الشاعر وايليا نقل وصبيح المصري،فقصتنا ستبقى ناقصة من دون أن نتحدث عن نجاحات أولئك في تشييد المصانع وإقامة المشاريع وخلق فرص العمل وتصدير السلع،وبالتالي المساهمة الفعّالة في بناء الوطن والدولة التي نستطيع الفخار بها.


أمّا وقد فعلت ذلك الآن،فلا مناص من العودة قليلاً الى الوراء.. لنطرق.. المواضيع التي كنا نتابعها هنا في “الغد”،والتي يجب التواصل مع القراء حولها فمنذ آخر حديث جرى بيننا،أصبح لدينا صفحة جديدة في ملحق “حياتنا” اسمها “البلد” وهي آخذة بالتطور السريع فعلاً كصفحة مدينة أو مجتمع. كذلك أذكر اهتمامنا المتصاعد في صحافة المحافظات وتغطية المناطق خارج العاصمة،وإضافة الملاحق لأعدادنا مع العمل الدؤوب الدائم على تحسين نوعية هذه الأعداد وعناوينها ومضامينها،حتى باتت “الغد” الصحيفة التي تعكس حقاً ما يدور في ذهن قرائها وتعبّر عن مجمل آرائهم وطموحاتهم وحتى احتياجاتهم الإعلامية والثقافية والترفيهية.


لنا عودة أوسع وأشمل لنتحدث عن هذه الجهود والقضايا ومشاريعنا المستقبلية،وسنعمل على التواصل من دون انقطاع في المرات القادمة.


george@alghad.jo


 

المراجع

alghad.com

التصانيف

أدب  مجتمع   قصة