تراهن الكثير من الدول المعادية للثورة السورية على انتصار الأسد وبقائه في سدة الحكم، وهم يدعمونه جهاراً نهاراً، بالمال والسلاح والسياسة وحتى بالمقاتلين، وهم يصّبرون أنفسهم بأن انتصار الأسد هي مسألة وقت، حتى أنهم سَخّروا لذلك بعض المنجمين الذي تنبؤا بعبور الأسد ونظامه للأزمة الحالية، وترسيخ أركان حكمه من جديد، ويظهر علينا اليوم من يهول لسيناريو القصد منه إرعاب السوريين المترددين وتحذيرهم من الدخول في الثورة وخاصة منهم الذين عاصروا الأسد الأب وعاينوا فصل من فصول البطش والتنكيل الذي أذاقه لفئات الشعب المنكوب. ويبنون نظريتهم على عاملين: - مخزون الذاكرة التاريخي لدى الشعب السوري من جهة، وفاتورة الثورة المرتفعة والمرتبطة بعاملي الوقت والمعاناة للشعب الثائر في الداخل؛ سواء على المستوى الإنساني أم على المستويات العديدة الأخرى. هذا مع تحييد للعناصر الخارجية المساندة للثورة بالكامل -دول الخليج الدول الغربية تركيا الدول العربية-، واستحضار العناصر الخارجية المؤيدة للطاغية -روسيا إيران العراق لبنان الصين-. ولكن وخلافاً لكل هذه السيناريوهات المحبطة نقول: إن الزمن لا يعود إلى الوراء، فعوامل نجاح الأسد الأب في وأد الثورة في الثمانينات تختلف كليا عن العوامل الحالية: - بداية نسي أصحاب السيناريو الظرف الحالي التي تقوم فيه الثورة السورية، والمحفز الأبرز وهو ربيع الثورات العربية، وخاصة أن الشعب السوري ليس أقل من الشعوب التي حققت النصر في دول الربيع العربي، ولا أقل إرادة في التغيير والتصميم والتنفيذ. - العامل الدولي اليوم صحيح أنه متراخي لأبعد الحدود مع بطش النظام الأسدي ولكن لم يتغافل عن الجرائم كما كان في الثمانينات، وفي ظل الميديا فإن عملية توثيق الجرائم أصبحت أكثر سهولة ولن يستطيع العالم مهما تجاهلها أن يغض الطرف عنها إلى ما لا نهاية. - العامل الأساسي اليوم أن الإعلام اليوم أكثر تقدماً وأكثر مرونة في الدخول بين مفردات الشعب السوري، وبالتالي لم يستطع الأسد وعصابته حتى هذه اللحظة إقناع حتى المقربين منه بجدوى الحلول التي يفرضها هو على الشعب السوري. - والعامل الأخير والأهم هو أن الأسد الأب كان يحارب بضعة مئات من الناشطين المسلحين، وأنه استطاع أن يقمع الثورة قبل استفحال التمرد الشعبي المسلح وحافظ على المؤسسة العسكرية وعناصر حزب البعث متماسكين بجانبه، أما اليوم فنحن نتحدث على عشرات الآلاف من الجنود المدربين المنشقين عن المؤسسة العسكرية والذين استطاعوا تنظيم أنفسهم في ظل مؤسسة عسكرية وليدة، يحاول البعض شرخها ولكن دون جدوى. - نحن نتكلم اليوم على ستمائة نقطة تظاهر في ظل وجود الكم الهائل من البطش المترامي الأطراف، وعن ما يزيد عن خمسة ملايين ثائر استطاعوا تنظيم أنفسهم رغم كل الصعوبات، ومن يعتقد أن الحملة الأمنية اليوم هي أقل من سابقتها يكون واهم، فعصابة الأسد تحاول استخدام كامل قسوتها ولكن بعيداً عن الإعلام الخارجي، وليس أدل على ذلك من المجازر التي تتسرب إلينا من المناطق التي يغيب عنها الإعلام جزئياً. فماذا لو لم تحدث "المعجزة" التي يأمل بها النظام السوري وكل من يروجون لهذه السناريوهات وخسروا المعركة مع الشعب، وماذا لو أن السيناريوهات المبنية على الحل الأمني / العسكري والتي تم رسمها في بداية الثورة أي قبل سنة تقريباً فشلت؟ وما هي نتائج وانعكاسات هذا الانتصار على مستوى الداخل السوري، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي؟ قبل الخوض في نتائج هذا "الانتصار" من المفيد التطرق إلى بعض السمات الأساسية لهذه الثورة والتي من الممكن أن يكون لها دور ما على صعيد هذه النتائج. أن أهم ما يمكن الحديث عنه من سمات الثورة هو: الصبر العظيم للمعارضة؛ أمام القسوة الشديدة والطبيعة الإجرامية للنظام، والسمة الثانية البارزة بوضوح هي الإصرار والإرادة في مواجهة العنجهية والصلف والاستعلاء على الآخر، مما ينتج عنه عدم استعداد المعارضة لتقديم أي تنازل تحت الضغط مهما كان هذا التنازل جزئياً وصغيراً ومفيداً، وهذا ما يبرر للمعارضة التشهير ببعض الأسماء التي حاولت تقديم بعض التنازلات في الأشهر الماضية كهيثم مناع وغيره. وبالطبع؛ فإن الطاغية سوف يحاول رفع منسوب القمع إلى درجة لا يكون باستطاعة المناهضين للنظام تحملها كالإبادة الجماعية في بعض المناطق، وهذه الإبادة إذا ترافقت مع سكوت المجتمع الدولي أو اكتفائه بالتنديد والشجب المترافق مع بعض العقوبات التي لا يأبه لها النظام، فإن هذا سيفسر من قبله على أنه مطلق اليدين لفعل ما يريد في الداخل السوري دون أية عواقب أو تبعات، وهذا ما يحصل فعلياً في حمص وبعض مدن ريف دمشق وإدلب. لكن الحسم لم ولن يكون لصالح الطاغية، لأنه كما نلاحظ حاول إخماد الثورة في حوران في بداية الثورة، ونكل بها وأهلها، وعادت ونهضت من جديد، و بالتالي مسالة الحسم لن تكون لمصلحة الأسد في أي مرحلة من مراحل الثورة. إن التجييش الطائفي الغرائزي والذي هو ركن أساسي من أركان سياسة النظام، وأن بدا أنه نجح مؤقتاً إلا أنه سوف يفشل أمام الخسائر الجسيمة للعناصر الطائفية في المعركة مع أفراد الجيش الحر. وانتماء الأسد للطائفة العلوية هي من أهم نقاط ضعف النظام، لأنه سوف يواجه باستمرار مسألة شرعيته. أما نقطة الضعف الثانية فتتمثل في عدم إمساكه بالقرار الاقتصادي بالكامل وهذا الأمر الذي اضطر الدول الداعمة له كإيران والعراق إلى دعمه ولكن إلى متى أيضاً بروز علائم تململ الطبقة الاقتصادية، وهذا يفسره خروج التظاهرة في أكثر المناطق برجوازية المزة- في العاصمة دمشق. وربما ستجبره على الرحيل أو تقديم التنازلات المؤلمة للتجار والصناعيين في المرحلة القادمة. أما النقاط التي تحسب لصالح الأسد فهي آلة البطش والقمع بأجنحتها الثلاث: قوات الفرقة الرابعة في الجيش السوري بقيادة ماهر الأسد، والمشكلة أساساً من لون طائفي واحد "علوي" ثم أجهزة الأمن وأخيراً فرق الشبيحة، وهذه الفئات مع مرور الوقت سوف تتحلل وخاصة مع تصاعد الضربات من قبل الجيش الحر، وكثرة الانشقاقات، وقلة الموارد المالية التي تصرف على الشبيحة، والتركيز في المرحلة القادمة على الأمن في سد النقص في عناصر الشبيحة. أيضاً من نقاط القوة الدعم القوي من إيران وتوابعها العراق، لبنان وكذلك العجز والتواطؤ الدولي، وقد بدت فيه بوادر تململ، وخاصة من جانب العراق الرسمي الذي رفض دعوة سورية إلى مؤتمر القمة العربي الشهر القادم في العراق، ومحاولة العراق التقيد بالنهج العربي وإن ظاهرياً. أما بخصوص التردد والعجز العربي فقد بدت بوادر حسم عند كل من مصر بسحب سفيرها، وقطر والسعودية بتبني المجلس الوطني والتوجه نحو دعم الجيش الحر في المرحلة القادمة، وذلك لإدراك تلك الدول خطورة قيام الحلف الرباعي بقيادة إيران وعضوية العراق وسوريا ولبنان "الهلال الشيعي الذي حذر منه العاهل الأردني". أما الأطراف الداخلية التي اضطر الأسد لتقديم التنازلات لها، وهي: 1- الأكراد: حيث بدا اليوم أنها حسمت أمرها في الوقوف بقوة مع الثورة، وهذا ظهر جلياً في جمعة المقاومة الشعبية، وربما تكون مشاركة الأكراد مؤثرة وحاسمة بسبب أن الساحة الكردية هي ساحة متحركة سياسياً أصلاً، وكذلك بسبب استناد ظهرهم إلى إقليم كردستان العراق بما يعني تأمين عمق إستراتيجي مريح لهم وعلى كل المستويات، وعجز بشار عن التعامل أمنيا بنفس منطق المدن الملتهبة. 2- شيوخ العشائر العرب: والذي اضطر النظام في بداية الثورة أن يرشي بعضهم بمبالغ مالية كبيرة لقاء تعهدهم له بالتأثير على عشائرهم ومنعها من المشاركة في الحراك الشعبي ضده، طبعاً، وقعت هذه الفئة تحت تأثير الانشقاقات العسكرية في مناطقها، والتي بلغت حتى الآن عشرة كتائب، وسوف تضطر هذه الانشقاقات شيوخ العشائر إلى مسايرة الثورة حتى لا تتعرض لانتقام الجيش الحر. 3- الشبيحة في حلب: والذين هم سلاح ذو حدين لأنه مع تطور الثورة ربما يتحول قسم منهم لصالح الثورة نظراً لضعف العائد المادي من أزلام النظام، والأذى الشديد الذي سوف تتعرض له من قبل أفراد الجيش الحر. 4- البرجوازية السورية: وهي التي سوف تحسم خيارها قريباً جداً نظراً للعبء الكبير الذي رتبه النظام عليها في المرحلة الماضية، والضرر المباشر لمصالحها سواء في السوق الداخلية، أو في السوق الخارجية. هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي: وخاصة دول الجوار فيمكن الحديث عن واقع جيوسياسي جديد في المنطقة من خلال ولادة الحلف السعودي التركي برعاية فرنسية، والذي ستظهر ملامحه يوم الجمعة القادم. هذا الحلف ذو الأسنان سيقلب طاولة المعادلات السياسية الدقيقة في الأيام القادمة. وطبعاً من أهم نتائج انتصار الشعب واكتمال الثورة، تشكل المؤسسة العسكرية الجديدة على أساس وطني وقطع أوصال الحلف: الإيراني - الإسرائيلي، وإعادة التوازن للمنطقة، خاصة إذا انتهى حكم الأسد وجاءت حكومة منتخبة تمثل جميع أطياف الشعب السوري.

المراجع

islamselect.net/mat/94187"المختار الاسلامي

التصانيف

سياسة