أسماء بنت أبى بكر (ذات النطاقين)
توفيت 73 هـ
السيدة الفاضلة أسماء بنت أبى بكر الصديق بن أبى قحافة، أمها قُتيلة بنت عبد العُزّى بن عبد بن أسعد بن نصربن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وأخت عبد اللَّه بن أبى بكر لأبيه وأمه، وأخت عائشة لأبيها، وكانت أَكبر من عائشة فى السن، وكانت أسن من عائشة بعشر سنين، ووالدة عبد الله بن الزبير، وآخر المهاجرات وفاة. شهدت اليرموك مع ابنها وزوجها الزبير.
ولدت أسماء قبل الهجرة النبوية بسبع وعشرين سنة. وتزوجت من الزبير بن العوام قبل هجرتها إلى المدينة. فلما استقر النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه هاجرت مع زوجها وكانت حاملاً، وفى المدينة، ولدت عبد اللَّه بن الزبير، فكان أول مولود فى الإسلام بالمدينة بعد هجرة المصطفى، كما ولدت له عروة، والمنذر، والمهاجر، وعاصم، وخديجة الكبرى، وأم حسن، وعائشة.
ورد في كتاب “وفيات الأعيان” لابن خلكان: ” وأما أسماء فهي ذات النطاقين وتزوجها الزبير بمكة فولدت له عدة أولاد، ثم طلقها فكانت مع عبد الله ابنها حتى قتل، وبقيت مائة سنة حتى عميت وماتت بمكة رضي الله عنها”.
وسُميت “ذات النطاقين” لأنه لما تجهز رسول اللَّه للهجرة ومعه أبو بكر الصديق أرادت أن تجهز طعامًا، ولم تجد ما تربطه به، فشقت نطاقها نصفين، نصفًا تربط به الطعام، ونصفًا لها.
فقال لها رسول اللَّه (: “قد أبدلكِ اللَّه بنطاقكِ هذا نطاقين فى الجنة”. فقيل لها: ذات النطاقين.
وكانت -رضى الله عنها- صامدة صابرة، بعد هجرة أبيها أبى بكر إلى المدينة، حسنة التصرف والتدبير، قالت: ولما توجه رسول اللَّه من مكة إلى المدينة -ومعه أبوبكر- حمل أبو بكر معه جميع ماله: خمسة آلاف أو ستة آلاف، فأتانى جدي أبوقحافة، وقد ذهب بصره، فقال: إن هذا واللَّه قد فجعكم بمالِه مع نَفسه
فقلت: كلا يا أبتِ | قد ترك لنا خيرًا كثيرًا.
فعمدتُ إلى أحجار فجعلتهن فى كوة فى البيت – كان أبو بكر يجعل ماله فيها – وغطيت على الأحجار بثوب، ثم جئتُ به، فأخذتُ بيده فوضعتُها على الثوب، فقلتُ: ترك لنا هذا ! فجعل يَجِدُ مسّ الحجارة من وراء الثوب. فقال: لا بأس، إن كان ترك لكم هذا، فقد أحسن، ففي هذا لكم بلاغ. قالت: لا والله ما ترك لنا شيئًا، لكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
كانت – رضى الله عنها- تؤثر رضا الله تعالى، وتجعل دونه كل رضا، فلما جاءتها أمها “قتيلة بنت عبد العزى” -وكانت مشركة- وقدَّمت لها هدايا، فرفضت أن تقبلها، وقالت: لا أقبلها حتى يأذن لى رسول اللَّه، ولا تدخلى علي. فذكرت ذلك عائشةُ للنبى فأنزل اللَّه: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)[الممتحنة: 8].
وكانت تقول ما تراه حقًا وما تتمناه صدقًا، مصرحة بذلك من غير إيماء ولا استحياء، فقد حدّث هشام بن عروة عن أبيه، قال: دخلت أنا وعبد اللَّه بن الزبير على أسماء – قبل قتل ابن الزبير بعشر ليالٍ، وأنها وَجِعَة- فقال عبد اللَّه: كيف تجدينك؟ قالت: وجِعَة. قال: إن فى الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهى موتي، فلذلك تتمناه، فلا تفعل. فالتفت إلى عبد اللَّه فضحكت، فقالت: واللَّه ما أشتهى أن أموت حتى يأتى على أحد طرفيك: إما أن تُقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقرَّ عينى عليك.
كانت باحثة عن الحق، فإذا وجدته كانت أسرع الناس عملاً به، ومرشدة غيرها إليه؛ حرصًا على عموم النفع والخير، وتوضيحًا لما استشكل من الأمور، فقد دخل عليها عبد اللَّه -بعد أن خذله أنصاره مستيئسين من النصر على الحَجَّاج- فقال لها: يا أماه | ما ترين؟ قد خذلنى الناس، وخذلنى أهل بيتي | فقالت: لايلعَبنَّ بك صبيان بنى أمية. عِشْ كريمًا أو مِتْ كريمًا. فخرج فأسند ظهره إلى الكعبة ومعه نفر يسير، فجعل يقاتل فى شجاعة جيش الحجاج.
ولما ناداه الحجاج ليقبل الأمان ويدخل فى طاعة أمير المؤمنين، دخل على أمه أسماء، فقال لها: إن هذا – يعنى الحجاج – قد أمَّنني. قالت : يا بني، لا ترضَ الدنية، فإن الموت لابد منه. قال: إنى أخاف أن يمثَّل بي، قالت: يا بنى ما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها.
عندئذٍ خرج فقاتل قتالاً باسلاً حتى استُشهد | وأقبل عليه الحجاج فحز رأسه، ثم بعث بها إلى عبد الملك بن مروان، وصلبه منكسًا، وعظم الأمر على أمه أسماء – وكان قد ذهب بصرها – فخرجت إلى الحجاج مع بعض جواريها، فلما دخلت عليه قالت: أما آن لهذا الراكب أن ينزل تقصد ابنها عبد الله؟ فقال الحجاج: المنافق؟ فقالت: لا واللَّه ماكان منافقًا. سمعتُ رسول اللَّه يقول: “يخرج فى ثقيف كذاب ومُبير (قاتل). فأما الكذاب فقد رأيناه – تقصد المختار الثقفي- وأما المبُير فأنت هو | [الطبراني].
ثم جاء كتاب عبد الملك بن مروان بإنزال ابنها من الخشبة ودفعه إلى أهله، فغسلتْه أمه أسماء وطَـيَّـبَـتْـهُ، ثم دفنتْه.
وقد روت أسماء الكثير من الأحاديث، وروى عنها أبناؤها وأولادهم، فعن عبد اللَّه بن عروة بن الزبير، قال: قلتُ لجدتي أسماء: كيف كان أصحاب رسول اللَّه إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تَدْمعُ أعينهم، وتقشعر جلودهم، كما نعتهم اللَّه، قال: قلتُ: فإن ناسًا هاهنا إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشيَّا عليه | فقالت: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم.
امتد العمر بأسماء حتى بلغت مائة عام، وتُوفِيَت فى سنة 73 هجرية، ولم يسقط لها سن، ولم يُنكر لها عقل | رضى اللَّه عنها.
المراجع
al-hakawati.la.utexas.edu
التصانيف
نساء رائدات شخصيات العلوم الاجتماعية
|