لست هنا بسبب موضوع تعبير عن فصول السنة , وليس القول بالفصول الأربعة تعني عندي دوران الأرض حول الشمس , ولكن الذي يعنيني من العنوان هو:
هل صحيح أن الأرض تدور حول الشمس في بلادنا , مكونة بذلك تبدل المواسم والفصول ؟
وهل صحيح أن الأرض تدور حول نفسها مكونة الليل والنهار في نفس الموقع؟
من الناحية النظرية أننا نعيش على جزيء من الكرة الأرضية (اليابسة) , وهذا الجزيء يتحرك مع كامل كتلة الأرض , هذا يعني أننا نمتلك الفصول الأربعة , وتمر علينا تلك الفصول بكامل صفاتها وهوائها ونسماتها وطيورها وحركاتها وسكونها
ولكن من الناحية الواقعية , يبدو أننا نعيش في منطقة , خلت من ظل الأشياء وانعدم فيها كل التقلبات , وحركتنا مع الأرض معدومة , واخترنا نقطتين لا ثالث لهما ولا يبدو أننا ننوي التحرك منهما
فاخترنا المكان الذي يبقى فيه فصل الخريف ثابتا , والليل مخيما , فلن ينفعنا لا دوران الأرض حول الشمس ولا دوران الأرض حول نفسها
في سورية يحتفلون بعيد الربيع والذي يصادف يوم ذكرى الجلاء الفرنسي عن سورية
وفي مصر عندهم شم النسيم , وكل شعوب العالم كانت تحتفل بعيد الربيع ومازالت تحتفل فيه
فلو عدنا بالذاكرة قليلاً على مدى عمر آبائنا وليس أجدادنا وعمرنا نحن وعمر أبنائنا , في لحظات ما خيل لنا أننا بدأنا نزحف نحو فصل آخر من فصول السنة , تهيأ لنا مجموعة من ومضات برق تنعكس على عيوننا وصوت رعد يطرق أسماعنا أن فصل الشتاء قادم , بالغيث ومعه الماء والخير ليكون الحياة للأرض وتنبت الأرض بما وهبها الله من خير
ويستبشر الناس بقطرات تصل إليهم يهرعون لاستقبالها , وفي نفس اللحظة تظهر خيوط الشمس مشرقة لتقلل من كابوس الظلام الممتد عبر أجيال متعددة
وفجأة يذهب البرق ويعود السكون وتختفي الشمس من جديد ويعم الظلام , ليعود الحال كما كان وأسوأ مما كان
مع أننا نسمى الشرق الأوسط وفيها تتناوب الفصول الأربعة , وفيها الصحراء والبوادي والجبال والوديان , وتحيط فيها البحار , ومع هذا نعيش في واد غير ذي ذرع , مع أن الطفل الرضيع بقدميه وهو يبكي خرجت ماء زمزم صاغرة متفجرة
ما أطول موسم الخريف , ومتى يزحف إلينا فصل آخر , وما أطول الليل حتى أصبحت عيوننا عديمة النفع كبعض الحيوانات التي تعيش طوال حياتها تحت التراب
أشجارنا أوراقها كلها سقطت , فالزيتون قلعه اليهود , والسنديان أكله الدود , والليمون أحرقه الحكام , لكي لا يبقى شيء يذكرنا بالربيع
ونعيش في الذكرى ونندب أنفسنا للتقيا أو للطم ونبكي على الذي مات من مئات السنين , ومناسبات ومناسبات , وعيد بعده عيد وثورة بعدها ثورة , وأبطال من ورق أصبحت أصنام صنعت من صوان وتعبد
ونندب حظنا ونعيش في الماضي ونقول لعله آت لوحده , نذكر فلان بشيمه وبطولاته , ونتغنى بمملكاته وممتلكاته , ولا نسأل أنفسنا أين ممتلكاتنا نحن؟
في بلادنا العربية كلها الكثيرون يكتبون ويناشدون , ويركضون وراء المناشدات والبحث عن فلان وفلانة في دهاليز الأنظمة التي حرقت أشجار البرتقال , والذي جعلت كل القلاع مبنية ومسلحة من أعتى أنواع التسليح لكي تحمي بلادها من قدوم الربيع
ومع هذا تناشد لكي تزداد غروراً وبطشاً وتأخذها العزة بالإثم وأنها فوق الجميع
الدول الإسكندنافية كانت تسمى بلاد الظلمات , ولم يبق شعبها يعيش في ذلك الظلام فأنار بلاده وحل الربيع والنهار لتصبح بلاد النور
ونحن عندنا كانت تسمى بلاد الشمس , فبأيدينا استطعنا حتى تحويل الشمس عنا لنكون بلاد الظلمات بلا منازع
هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه نور الشمس , وتتبدل الفصول وتلبث الأرض أثوابها المتبدلة كل يوم وفي كل فصل ؟
نعم سيأتي ذلك اليوم
ولكن كيف ؟
سيأتي اليوم الذي تكون فيه بلادنا
 سماؤها عزيزة عز النفس على كل شخص فيها , وكل حبة تراب فيها تساوي من عليها , وكل نفس فيها أغلى من كنوز الدنيا كلها , وساعة عدل فيها تزن ثقل الأرض خيرا قادما إليها
عندما يعي كل فرد في بلادنا هذه الحقيقة , عندما يعي كل شخص فيها أن حقه لا يمكن أن يضيع ويستميت من أجل تحصيله مهما قلت قيمته , ولا يركن للظلم , ويثور على المستبد كائن من كان , ولا يرضى عن الكرامة بديلا
ولا حياة للإنسان بعد أن تهدر كرامته , ولن يسمح بقلع الزيتون ولا بالحشرات أن تأكل أوراق السنديان , ولا بالحكام أن تحرق أشجار البرتقال
عندها تشرق الشمس وتتبدل الفصول ويحل علينا كل فصل بخيره وجماله , والفائدة التي أوجدها الله تعالى من تقلباته
فلن ينفعنا اللطم ولا العويل ولا الإنتظار
فلو بقينا نلطم ونشتم ونطالب لن نجد من نطالب فيه من الأحرار والشرفاء بعد الآن , ولن نجد بعد موتنا من يطلب لنا الرحمة أيضا
فليس لنا إلا الخروج من المكان الذي اعتدنا عليه ,نحن وآباؤنا وأبناؤنا , وننفض عنا ذل القهر والظلم وننسف كل الذي يقف حجر عثرة في طريقنا , فلن تجد في بلادنا نظام شريف ,ولن يساعدنا الله على التخلص من هذا الواقع ولن يرسل أشعة الشمس والغيث ما لم نبدأ نحن.

المراجع

odabasham.net

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  ملاحم شعرية