سنخوض مجددا في عناوين الجدل الوطني التي استنزفتنا طوال العامين الفائتين، ما أن يلتئم شمل البرلمان السابع عشر...ستحمل شعارات أول تظاهرة بعد بدء اشغال المجلس السابع عشر شعارات “حل المجلس”...وستوجه سهام النقد السياسي والاجتماعي للمجلس القادم بوصفه “فاقداً لنصابه السياسي”، وخاليا من “الكتل البرلمانية الحزبية”... وسيقال فيه إنه برلمان خدمات، وجزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل.
وستتعالى الأصوات بعد انقضاء السنة الأولى في عمر المجلس القادم، مطالبةً بحله وإجراء انتخابات مبكرة، وستتشكل لجان للحوار الوطني للوصول إلى “قانون توافقي”...وسنشهد على عمليات شد وجذب بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، بعضها سيضع “الحقوق المكتسبة” في صدارة أولوياته، وبعضها الآخر سيشكو “حقوقاً منتقصة” وضعاف في التمثيل.
وسيصبح المجلس المقبل، جزءاً من المشكلة بدل أن يكون جزءاً من الحل...تماما مثل الانتخابات النيابية المقبلة، التي استحالت إلى سبب للتأزيم والاحتقان والاستقطاب، بدل أن تتوج مسيرة الانفراج والإصلاح وبناء الثقة بين الدولة ومواطنيها جميعاً.
ستنبري الحركات النسائية للدفاع عن حق المرأة في تمثيل أفضل في البرلمان الثامن عاشر، بعد أن تكون نسبة تمثيل النساء في آخر ثلاث مجالس نيابية قد راوحت حول الـ10 بالمائة، وهي تعادل نصف المعدل الوسطي لتمثيل النساء في برلمانات العالم...وستعرض أفكار ومشاريع لتطوير نظام الكوتا.
وسيكون الأردنيون قد اختبروا أول تجربة في تاريخهم البرلماني، تشرف فيها “هيئة مستقلة” على الانتخابات، بعد أن ظلت هذه المهمة منوطة بوزارة الداخلية تاريخياً...وستكون للنشطاء والدارسين ومؤسسات المجتمع المدني، الفرصة لتقييم التجربة وتقديم البدائل والاقتراحات لتدعيم استقلالية وفعالية “الهيئة”.
وستتكرس ظاهرة “البرلمانات الطيارة”، التي لا يُتِم أي منها “نصف ولايته الدستورية”...برلمان 15 و16 و17 لم (ولن) يعمر أيٍ منها لأكثر من عامين، وسيكون لدينا جيش عرمري من النواب السابقين برواتب تقاعدية مريحة وجوزات سفر حمراء، لا يعادله في حجمه وكلفة امتيازاته، سوى جيش الوزراء السابقين الذي يثقل كاهل الخزينة، ويغرق المؤسسات والشركات العامة ومجالس إدارتها بأعداد هائلة من “أصحاب المعالي”...وبدل أن تظل ظاهرة “قصر عمر الحكومات” مادة لتندر الأردنيين والمراقبين والدبلوماسيين، سيكون لدينا ظاهرة “قصر عمر البرلمانات” التي سترهق كاهل الجمعيات والاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية.
لم نكن نرغب بهذه المآلات للمسار الإصلاحي الأردني العاثر.... كنا نراهن على “مبادرة اللحظة الأخيرة” التي تنقذ الموقف، وتمنع تفاقم نهج التوتر والتوتير...كنا نراهن على حكمة الحكماء وعقول العقلاء في اجتراج حل سياسي، يجمع مختلف المكونات السياسية والحزبية والاجتماعية، حول مائدة واحدة، للخروج بقانون توافقي، وإجراء انتخابات عادلة ونزيهة وشفافة و”تمثيلية”، تنتهي إلى “البرلمان/الرافعة” الذي يحمل على أكتافه مهمة صون الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة في البلاد، ويؤسس لمرحلة “الحكومات البرلمانية” في حياتنا السياسية، ويحصن جبهتنا الداخلية من هبوب “الريح السموم” التى تلفح وجوهنا بقوة، وتهب علينا من جهات الإقليم المتفجر الأربع.
كنا نأمل ببرلمان يغنينا عن “المبادرات” و”اللجان” و”المجالس” و”الهيئات”...فالحوار الوطني سيكون أفعل تحت القبة، إن انضوى الجميع تحت القبة....والتشريع يصدر من تحت القبة، إن امتلك نوابها القدرة والرؤية والطاقة الاشتراعية، وهذا لن يتأتى ببرلمانات الصوت الواحد، التي سيكون البرلمان القادم امتدادا لها، وليس بديلاً عنها... كنا نتطلع لبرلمان يمتلك القدرة على الرقابة والتشريع، ويجسر ما بين لجانه وكتله من جهة والأحزاب والمجتمع المدني والجامعات ومراكز البحث من جهة ثانية.. كنا نأمل ببرلمان مختلف.
من السهل، في أزمنة التجييش والتجييش المضاد، والحملات المكارثية المتبادلة، إلقاء اللائمة على هذا الفريق أو ذاك...من السهل إعلان “البراءة” من المارقين وأصحاب الأجندات و”مثيري الفتنة... لكن من الصعب القول إن انتخاباتنا المقبلة وبرلماننا القادم، هما أفضل “تتويج” لمسيرتنا في الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي... حمى الله الأردن والأردنيين جميعاً.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
Text