بالذهنية ذاتها، يتحول النافع الى ضار والنعمة الى نقمة.. فالتخلف المزمن يتيح للصدأ أن يغطي المفاصل كلها ولا تسلم منه حتى عقارب الساعات بحيث يبدو الزمن كما لو أنه متخثر
تزول ظواهر منها ما هو مهني أو صناعي وتبقى العادات المقترنة بها مقيمة، تأتي الكهرباء بكل هذا السخاء وتبقى عادات الظلام والليل الذي يعج بالأشباح.
فلا الحزب غيّر من نسيج المجتمع ولا النقابة نقلته من طور الى آخر.
ولو أخذنا مثالاً واحداً فقط هو شهر مضان الذي يشكل ما يقارب عشرة بالمئة من العام اذا أضفنا اليه ما يسبقه ويمهد له وما يعقبه نجد أن الذهنية التي تعاملت معه قبل قرن لم تتغير، وان كانت ثقافة المسلسلات التي تتحول الى سلاسل هي الطارىء الوحيد لكن حتى هذا الطارئ سرعان ما أصابه التكلس، وكأن الناس يعيشون في ستينات القرن الماضي، حيث لا ستالايت أو فيديو، والتلفزيون هو صندوق العَجَب الذي يتحلق حوله الكبار والصغار هرباً من الصمت المحرج في بيوت مليئة بالضجر.
وحين نلجأ الى التحليلات النفسية والاجتماعية لتفكيك هذه الظواهر نشعر على الفور بالخيبة، لأن هناك حالات لا ينفع معها العلم أو التحليل، لأنها تنتمي الى ما يسميه أحد المفكرين المعاصرين «الجهل المقدس».. والجهل المقدس تعبير عن اصرار وعناد بأن الدنيا لا تتغير الا من حيث الظاهر والشكل رغم أن الاقتصاد وتطور أنماط الانتاج واختلافها وتشكل المدن الكبرى يغير من الثقافات وأنماط السلوك.
وما لم يكن الآباء يرضون به أصبح مفروضاً على الأبناء والأحفاد إذ لا بد لهم أن يتأقلموا معه كي يعيشوا ولا تتحول حياتهم الى صراع بلا نهاية، لقد أدى الربط الميكانيكي ولعوامل تجارية خالصة بين المسلسلات التلفزيونية وشهر رمضان الى خلق هذا الفائض من الثرثرة والتكرار، فالقطعنة عندما تعم لا يسلم منها حتى الفن.
نعرف أن النفخ في القرب المثقوبة لا يؤدي الى أية نتيجة مرجوة، وأن التكرار الذي علم الحمار ليس ذا جدوى اذا كان مجرد كتابة على الرمل أو الماء.
لهذا ما من سبيل للخلاص غير التواطؤ مع السائد المحروس أو العُزلة بتكاليفها النفسية والاجتماعية الباهظة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خيري منصور جريدة الدستور
|