أعترف بأني شعرت بما يمكن تسميتها بـ"الغيرة الحضارية" وأنا أقرأ الخبر الذي تناقلته وكالات الانباء امس الأول عن الطفل الذي لم يتجاوز الثانية عشرة ، والذي استطاع ان يحقق حلمه بالصعود الى قمة افرست. وتعمقت غيرتي حين تصورت الجهات الراعية لرحلة هذا الطفل والمساعدات اللوجستية التي قدمتها جهات عديدة له من أجل تحقيق حلمه.
هذه الغيرة أعادتني للآباء العرب الذين يتعاملون مع الاطفال باعتبارهم كائنات مهجنّة فائضة عن الحاجة لا يتم التعامل معها الا بالضرب والاهانة. ويتم التعامل معهم على اساس فرض الهيبة الأبوية ، ومحاولة ترسيخ الرعب عند الطفل من أجل المحافظة على هذه اللعنة الأبوية المطلوب منها ان ترافق الطفل حتى يهرم ويشيخ.
فبعض الآباء العرب والذين اصبحوا ازواجاً واباء بمبالغ تافهة نسبياً ، يمارسون قسوة سادية على الأبناء والزوجة ، ويكون السبب ضعف شخصية الأب في مجاله المهني ، أو ضعف امكانيته المادية التي تجعله يتحول الى غول يأكل ويضرب كل شيء في البيت حتى الاوكسجين المنزلي.
وبعض الآباء الذين صاروا ذكوراً رغمًا عنهم ، يتحولون الى شخصيات "مزواجة" همها الوحيد حشر اكبر عدد من الزوجات في مساحة منزلية واحدة ، كي يمارسوا بعد ذلك سطوتهم على الاطفال بوحشية نادرة. والتعامل معهم كعبء ازلي معالجته الوحيدة الضرب والكبت.
وبعض الاباء لا يتوانى الواحد منهم عن التعمد في ترك اطفاله عند الآخرين كي تتاح له الفرصة للتمتع مع الزوجة الثانية على اعتبار بأن لقب الأب الذي سيؤول اليه في النهاية سيعفيه من كل المسؤوليات التربوية المترتبة عليه.
ولاننا في زمن الفضائيات وثورة الصورة فقد بدأت بعض اشكاليات تعامل الأب العربي او زوجة الأب العربية مع الاطفال ، تظهر كفضائح متتالية تتم الاضاءة عليها والاعلان عنها ، بشكل تقشعر له الابدان.
ولعل القصة الاجتماعية التي اضاءت عليها محطة الجزيرة امس الاول عن الطفل اللبناني الذي تفنن زوج امه بتعذيبه بشكل يومي بأعتى اساليب التعذيب تقع في هذا الباب الذي نتحدث عنه.
ان جيلاً عربياً كاملاً من الاطفال ما زال يتعرض للرعب والترويع تحت حجج كثيرة اهمها الأمراض والعقد الاجتماعية التي تصيب الأب او الأم او زوجة الأب.
اننا بحاجة فعلاً الى جهات مدينية ناشطة قادرة على ان تخلق ادواتها المؤسسية الرادعة ضد كل من يفكر في خدش عوالم الدهشة لدى الكائن الطفل الذي يتشكل كعجينة وسط قسوة عقدنا وموروثنا الأبوي. هذا الموروث الذي ما زال يعتقد بأن الأبوة هي فرصة لتملك الطفولة ومحقها وممارسة كافة الأشكال العدوانية عليها.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور