في زحمة المطالبات التي يتقدم بها المعلمون هذه الأيام ، ولعل أهمها المطالبة بتشكيل نقابة خاصة بالمعلمين ، أرغب أن أسأل وبوضوح عن سبب التلكؤ الحكومي في تحقيق هذا المطلب للمعلمين والنظر بباقي مطالبهم المشروعة.

ان حكوماتنا المتتالية تتعامل مع ايقاع كلمة "نقابة" بالطريقة ذاتها التي كان ينظر فيها الى مثل هذا المسمى في خمسينيات وستينيات القرن الفارط ، حيث تتداعى الصور التي تجسد التنظيمات السياسية المحظورة ، والتعبئة الشعبية ضد النظام ، والاعتصامات والاضرابات ، وتعطيل العمل الرسمي ، الى آخر هذه المتواليات.

وقد كان للحكومة الحالية برئاسة البخيت قصب السبق في الموافقة المبدئية على منح ترخيص لاقامة نقابة المعلمين ، لكن هاجساً جاء من ذاكرة الخمسينيات والستينيات يبدو أنه أعاق تحقيق ذلك. وبدأ يضع العصي في عجلات العربة كي يعيق تحقيق هذا المطلب الدستوري والشرعي.

وبمناسبة الخمسينيات والستينيات فأنا من الجيل الذي واكب تلك المرحلة بأدق تفاصيلها الشقية ، حيث لم يكن هناك أي وسيلة اعلامية سوى الصحف التي يتداولها علية القوم ، والموظفون ، اضافة الى جهاز الراديو الذي كنت تحرم منه العائلة ويظل من حق رب العائلة كي يستمع لاخبار "اذاعة لندن" وخطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأغاني أم كلثوم.

وعن المعلم في تلك المرحلة أقول قلما كان أي معلم يدخل الى الفصل المدرسي دون أن تكون له مرجعية حزبية تنظيمية ، وكنّا نشاهد بأم العين المدرس المنظم في تنظيم جماعة الاخوان المسلمين ، والمعلم المنظم في الحزب الشيوعي ، والمعلم المنظم في حزب البعث بشقيه العراقي والسوري ، ومع ذلك ظل التعليم بمنأى عن التأثر بهؤلاء المعلمين وانتماءاتهم التنظيمية.

والحال أننا يجب أن ندرك أن الزمان اختلف تماماً ، وأن فكرة الممنوع الذي تسنه الحكومات صار من احدى الفكاهات العصرية بسبب ثقافة الصورة ، وأن المعلم في زمننا الحالي يريد انشاء نقابة كي يدافع عن حقوقه المهنية ، واستحقاقات الضنك المعيشي الذي يواجهه ، وربما كي يدافع عن نفسه أمام طلبة تطاولوا عليه كثيرا.

ما أريد قوله ان كلمة نقابة لم يعد لها في زمننا هذا ذاك السحر الثوري في الايقاع ، ولا تشكل حالة هذا الرعب النقابي حال سماعها. انها ببساطة حالة تنظيمية لشريحة اجتماعية عاملة ، وحالة حضارية ومدنية لا تستحق كل هذا التعنت في الصد والممانعة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور