هناك في عالم الجغرافيا السياسية وتقارب الأقطار أو تباعدها عن بعضها البعض أحياناً حالة من الخرافة السحرية، فالمسافة على سبيل المثال بين بعض المدن والقرى السورية وبعض المدن والقرى الأردنية كانت تبدو مسافة معدنية ونائية لكن الحرب الدائرة منذ سنتين أوما يزيد عن ذلك بين النظام السوري والمعارضة السورية كشفت أن هذه الأرض متقاربة وتتنفس من رئة واحدة وما يميزها عن بعضها البعض فقط الأسلاك الشائكة التي ترسم الحدود بين البلدين الأردن وسوريا. فبينما كان المواطن الاردني يسمع ايقاع القنابل والصواريخ كأنه يراها كان المواطن السوري الذي صار لاجئاً يزحف هو والعائلة والأبناء نحو الحدود الأردنية ليستقر في مخيم الزعتري

انها كيمياء الأرض إذن التي تتبدل بين ليلة وضحاها إذْ تصبح الاشياء التي تبدو بعيدة قريبة حد الازعاج فمن كان يصدق ان الاردن سوف يستضيف على ثراه ما يقارب المليون لاجىء سوري، ومن كان يصدق ان البحارة الاردنيين الذين كانوا يتاجرون في كل شيء وكانوا يتعاملون مع مهنتهم الحدودية على اعتبار انها أبدية انهم سيعانون من هذه البطالة المفاجئة التي خلفتها هذه الحرب

ان للحرب جغرافيتها التي تفرخها بشكل خاص والتي تختلف عن بعضها في كل وقت وفي كل حين، وفي جهة الشمال السوري وتحديداً عند مدينة القصيرالسورية الحدودية وبين لبنان وسوربا حيث تبدو الجغارفيا هناك وكأنها زحفت حتى تلاصقت واستطاعت أن تورط رجال حزب الله في الحرب هناك

لكن الصحيح أن التجاور الجغرافي مع فلسطين والاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية لم يستطع أن يرسم مثل هذه الطراوة الحدودية فبدت الأرض الفلسطينية تبدو وكأنها ليست بعيدة فقط بل وكأنها في كوكب آخر، هذا يحدث بالرغم من المسافة الفكاهية بين فلسطين وباقي دول الجوار العربي مع فلسطين

لكن ومع ذلك يظل الرهان على الحرب التي ما أن تشتعل أوارها حتى تبدأ بتخليق الطبوغرافيا الجديدة للأرض وللحدود. انها جغرافيا الحرب التي تظل عبر التاريخ ترسم الحدود والفواصل على طريقتها مع فارق أن الدم يظل هو الثمن


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور