"يا مسعد يا هل القط.. مال دولة ما بتحط.. وعسكرية ما بتروح".
في التراث الغنائي الشعبي الأردني في فترة الحكم العثماني، كان يتداول الناس بعض الأغاني والأهازيج المتعلقة بتلك الحقبة البائسة من تاريخ الأمة التي أورثت التخلف، ووضعت الأقليات العرقية في الوطن العربي فوق أعناقنا، وشرذمت المجتمعات العربية وعطلت كل الإمكانات الاقتصادية والمعرفية لهذه الأمة، لتبقى هي المسيطرة من خلال الجندرمة التي لا تعرف سوى النهب والسلب وقطع الطريق.
وهيأت كل الفرص للإمبريالية الغربية باحتلال العالم العربي، من خلال ما يعرف بنظام الامتيازات. وكانت السبب الرئيس في احتلال العدو الصهيوني لفلسطين المحتلة، بحكم فهمها المتخلف لأهل الذمة، عندما سمحت بتوطين اليهود في فلسطين عبر هذا الفهم القاصر.
عندما فاز "العدالة والتنمية" في الانتخابات البلدية التركية، لجأ العصملي رجب طيب أردوغان لخطاب "الانكشارية" التي تنحدر منها كل فلسفة السلطنة العثمانية وفلسفة مؤسسها، والتي نجح من خلالها أردوغان في تحشيد النصر له بفكرته القومية المتطرفة، والخطاب الديني الممزوج بفهم العثمانيين للدين الإسلامي الحنيف، الذي يتصادم بشكل غير مباشر مع فكرة الإسلام العربية ذات الرسالة الإنسانية الجامعة التي تعطي مفهوما يستوعب كل الأعراق والأديان فيه.
فعندما يخطب رئيس وزراء دولة ويتهم معارضيه وينحي باللائمة فيها على "خونة" في الدولة التركية، ويبحث عن مصطلحات تدلل على عنصرية مطلقة ودكتاتورية السلطان التي خبرها التاريخ، نكتشف مدى اللعب على الخطاب الديني الذي اشتهر به كثيرون لتوظيف مصالحهم السياسية من خلاله. فالعصملي يقول عن معارضيه خلال تجمع في اسطنبول "كلهم خونة.. فلندعهم يفعلون ما يريدون. اذهبوا إلى صناديق الاقتراع غداً ولقنوهم جميعاً درساً.. دعونا نعطيهم صفعة عثمانية". 
وقبل أن يهلل ويطبل ويصفق المريديون "لعثمان أرطغل الجديد"، قام بعمل أسلافه من العثمانيين بقتل المنافسين، وسمل عيونهم ووضعهم في السجون حتى الموت، ليعيد إنتاج التاريخ ذاته. فعندما استبعد أردوغان نحو 7 آلاف شخص من السلطة القضائية والشرطة، منذ مداهمات مكافحة الفساد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والتي استهدفت رجال أعمال قريبين منه وأبناء وزراء في فضائح الفساد التي تلاحقه، لم يفرق كثيرا عن من سبقه من أسلافه!
فالعثماني الجديد من مبررات دعمه لتخريب سورية حماية ضريح سليمان شاه، جد عثمان الأول مؤسس السلطنة العثمانية. فالفرح الكاذب الذي يبديه أردوغان بفوز حزبه، وإهدائه هذا النصر المزعوم للإخوان المسلمين في غزة وسورية ومصر، واعتقاد كثيرين أن ذلك يشكل نصراً للأمة الإسلامية، يذكرنا بمسرحيته عندما دكت طائرات وصواريخ ومدافع العدو الصهيوني غزة، وكُنا ممن انطلت عليهم الحيلة وصدقنا أنه سيكون حليفاً استراتيجياً، ويدعم المقاومة في غزة ويمهد الطريق لتحرير فلسطين.
ولكن قادم الأيام كشف أن هذا الخطاب كان مجرد فقاعات لا تقدم ولا تؤخر في التحالف التاريخي بين تركيا والعدو الصهيوني، وأن العلاقات بينهما سمن وعسل!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   جهاد المحيسن