"حب الوطن ما أجمله... وقلوبنا بترخص إله... حب الوطن نور الحياة بملك الدني ما منبدله... مجد الوطن عطر الزمن... كنز انوجد غالي الثمن... لو ما القمر عندو وطن عنو البشر ما بيسألوا.. حب الوطن عز الامم... سر العلا رمز الشمم ... ما في ألم ما في علم... لو ما بحبه ترسملوا... حب الوطن مجد انتشر... اشرف رسالة للبشر... يفني العدا يرد الخطر". (وديع الصافي)
لسنا مقطوعي النسب والتاريخ، ولسنا شعثاً غبراً. على هذه الأرض ما يستحق الحياة، على هذه الأرض ما يستحق الموت من أجله ولأجله، لكن كل ذلك الكلام أخشى أن يكون "عابرون في كلام عابر". أول من أمس وفي الطريق للبيت برفقة الصديق معالي حيدر رفيفان المجالي، شاهدت أعمدة الدخان الكثيف تخرج من أحراش دبين، ولم يصدق الصديق أنها أعمدة دخان، وأصر على أنها غيمات عابرة!
لماذا نحرق أشجارنا ونقطعها؟ أكل ذلك من أجل ربح عابر أو نزوة عابرة، قام بها شخص أو أشخاص يريدون القضاء على هذا العطاء الرباني؟ الوطن ليس فكرة عابرة أو نشوة، لحظة الوطن قصة خلق تتجدد في كل لحظة نعبر فيها المكان، هذه الأرض لم ينسها العرب الرحل كما قيل، وبقيت تحفر ذاكرتها في الصخر ورقمت عزها على ألواح المجد، قبل ألف ألف عام.
رحماك اللهم
لقد جف الضرع، ومات الزرع وتخلت عن الأرض السماء!
وفر سكان الجنان الى الصحراء..
واستبدلوا نتن البترول بأريج الكوثر..
وأصبح ساقي الحوض الاستعمار
وَوَاردو الحوض زبانية النار...
وأصبح الفردوس للكفار..
وأصبحت جهنم للأبرار
عفوك اللهم!
ماذا فعلنا بأنفسنا؟ لماذا كل هذه العدوانية والجور على بلدنا وأنفسنا؟ نريد منه كل شيء من دون أن نقدم له شيئا، نريده بقرة حلوبا قطعنا عنها الأكل والشرب، ونريدها أن تدر الحليب علينا. الشوارع نحفرها، الأشجار نحرقها، البيوت نهدمها، التاريخ ننساه نوظفه لتدمير الذات. رموزنا الثقافية والسياسية نتفنن في حرقها، الجغرافيا نرمي بها عرض الحائط. معاول الهدم أصبحت سيدة الموقف، والكل يغني على ليلاه، وآه من ذلك البوح الذي يحبس النفس.
راقبوا أنفسكم وتمعنوا في كلمات عمر الخيام عندما قال:
هبّوا املأوا كأس المنى قبل أن
تملأ كأس العمر كفّ القدر
لا تشغل البال بماضي الزمان
ولا بآتي العيش قبل الأوان
واغنم من الحاضر لذّاته
فليس في طبع الليالي الأمان
الله محبة والوطن محبة، والنفس قدر نغتنمها ولا تغتنمنا. ماذا نفعل في كل تفاصيل حياتنا سوى الندب على الماضي الجميل، والحاضر الذي أصبح يحتضر مما فعلته أيدينا؟ أما المستقبل، فعالم الغيب والشهادة هو الكفيل بمعرفته وصون هذا الوطن، إذا نحن بقينا نكره أنفسنا. نفوسنا ليست لحظة طارئة، نفوسنا هي الحياة، وآن الأوان لنغلق باب الكره!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد جهاد المحيسن