لا يختلف اثنان في أنّ اللقطات التي على "يوتيوب" من فيلم "براءة المسلمين" تشير إلى عمل سينمائي من أردأ ما يمكن. فلو أراد أحد من الناس أن ينتج فيلماً من الفقر في كل شيء: موهبةً وإخراجاً وتمثيلاً وإنتاجاً وتصويراً ليخوض به مسابقة "أردأ فيلم" لما كانت عليه النتيجة غير هذا الذي تُحرق من أجله السفارات ويُقتل السفراء وتَهدِر التظاهرات. فهو عمل تافه رديءٌ سفيهٌ يقلب الأمعاء من شدة غثاثته، وقيمته هذه تجعلنا نتأمّل بعين العقل ردود الأفعال التي عمّت البلدان العربيّة التي ما تزال تتلمّس طريقها المظلم بين دكتاتوريات تنهار وأخرى تنازع، وفي الأثناء تجرّ معها إلى الدمار شعوباً بأكملها.
أجل، فبينما هذه الشعوب تبحثُ عن خلاصها، أو ما تظنه كذلك، تعرض لها استفزازاتٌ شتى، ومنها هذا الفيلم الباحث عن الشهرة وأشياء أخرى، والذي لم يكن في هادئ الأحوال ليلقى من يشاهده -فما بالك بمن ينقده؟-. والانجرار وراء جزرة الاستفزاز أمرٌ يسيرٌ هذه الأيام التي اختلط فيها حابلٌ بنابل، حيث وجدت الشعوب العربيّة، وجيوب الجهل والأميّة والتعصّب والغرض بل والإرهاب فيها، مطيّةً للتعبير العنيف الغاضب، بل والمثير للرّيَب. 
فإذا كان الفيلم هذا يصدر عن كراهيةٍ بشعةٍ للآخر ويحضّ على كراهية (ما دام لإسرائيل ومجانين التعصب الأميركي يد فيه)، فإنّ قتل الهيئات الدبلوماسية وتدمير مقارها ليس سوى رد فعلٍ من غير "نوع الفعل"، ناهيك عن أنّ حضارتنا (وكذا المعاهدات الدولية) تمنع منعاً يجرّم من يعتدي على رسولٍ (والسفارة هذا الرسول) يفاوض في حربٍ، فما بالك في سلم؟
لا يحتاج الفيلم إلى شتم أو تعزير، ما دام يشتم نفسه برداءته أولاً، وبأجندته الواضحة لتحريك الشارع وتصوير العرب كأمّةٍ تتبنى "الإرهاب" فكراً وعقيدةً وسلوكاً، وبزرع فتنة طائفية جديدة بين المسلمين والأقباط، بنسبة إنتاجه إلى "أقباط المهجر"... وقد نجح في ذلك تماماً. فإذا ما كانت الجموع الثائرة نصرةً لنبيّها من الإهانة، فإنها قد أكّدت بالعنف الذي لجأت إليه، والطاقة التي بذلتها في الغضب التّدميري، والتداول الإعلامي المتأسلم المريب والطائفي، تلك الصورة النمطيّة التي يتبناها الغرب عن الإسلام والمسلمين، وبأنّها ليست على اتّصال حميم برسالة نبيّها، ولا بأخلاقه وتعاليمه. كما أكّدت صورتَها لدى نفسها من أنّها ليست على بيّنةٍ من أولوياتها، ولا على وعي مما يُحاك لها بليل. ولأنها ليست بواردِ "الفعل" والتخطيط له، فهي متروكةٌ تماماً في منطقة "ردود الفعل" الفوريّة والرعناء. وهي منطقةٌ اختُصَّ بها من حرم من نعمة العلمِ ونعمة البصر ونعمة التفكير والحجاج واستعمال العقل والإرادة الواعية!
دعونا لا نفقد الأمل...

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  زليخة أبوريشة   جريدة الغد