إن الحياة الدنيا لا تمشي مطلقا في خطٍ مستقيمٍ فهي لا تصفو لأحد فالمشقة والشدائد والمصائب والبلايا ضيفٌ لابد من مجيئه  فيها فهي سنة الله التي لا تتبدل مع عباده وهذه حقيقة يؤكدها الله تعالى في القرآن الكريم حيث يقول سبحانه وتعالى في الآية 4 من سورة البلد "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ" يكابد فيها المشقة والمصائب فهذا أمرٌ حتميٌّ في هذه الدنيا فقد جعلها الله وسيلةً لتصفية نفوس النَّاس ومعرفة الصَّادقين من المنافقين وذلك لأنَّ المرء قد لا يتبيَّن في أوقات الرَّخاء لكنه يتبيَّن في أوقات الشِّدَّة.

فكل شدائد الوقت هي محكٌّ لإيمان المرءِ واختبارٌ لصبر المحتسبين وثْباتهم عند وقوع المصائب والبلاء ليتبين الصادق من الكاذب والصابر والشاكر وسبحانه جل وعلا قد قال في كتابه العظيم "الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)" (العنكبوت1-3) فالله بحكمته البالغة يبتلى عباده ليقرب الصابرين ويجزيهم من فضله ويحرم الساخطين من فضله العظيم ولقد أحسن من قال: الدنيا دار امتحان يا عزيزي والمصائب ليست اختبارًا لقوة ظهرك وإنما اختبارٌ لقوة قلبك ‏وامتحان للمسافة بينك وبين الله أتصبرُ وتستعينُ وترضى فيقرّبكَ أم تجزع وتطغى وتسخط فيبعدك فإياك أن ترسب.

فإذا ضاقت بك الدنيا واخنقتك الأوجاع وضجت في عروقك الآلام وجاءت الأمورُ على غير ما تريد واختنقت بالتعب فلا تجزع ولا تسخط فالبلاء يذهب ويبقى أثره وأجره وكيف تعاملت معه يقول الرسول ﷺ: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط فوطِّن نفسك على أن الدنيا دارُ امتحان لابد من أن تٌمتحن بها واجعل كل ذلك من بواعث حسن الظن في خالقك فهذا الذي شاءه وهذه إرادته وهذه مشيئته هو يعلم بما أصابك وسيعوضك خيرًا ولن يخذلك الله أبدا.

وليكن عزاؤك الدائم إن ساءت الاحوال في هذه الدنيا أنها تدابير الله والله خير الحافظين فمن طبيعة الدنيا أنها لا تأتي كمَا نشَاءْ ففي أحيانِ كثِيره قد نُصاب فيها بالمصاعب والانتكاسات لفترات طويلة وليسَ منَ السَهل عَلينا نحن كبشر تقبل الأمُور عِندمَا لا تَكون كما نرغب لها لأننا لا نرى حكمة الله في ذلك ولن ندرك كيف يدبّر الأمر لنا ولكن سَندركُ مع الأيام الخير الذي خبّأه الله لنا والشر الذي صرفهُ عنا حتى نمتلأ يقينًا به. فاصبر على ما لم تحط به خُبرا واعلم أن الخيرة فيما اختاره الله، وما قصة سيدنا موسى والخضر – عليهم السلام – إلا حكمة موعظة فقد كان الظاهر: ابتلاء وفي الواقع: فرج، فلو لم تُخرق السفينة لسُلبت ولو لم يُقتل الغلام لأشقى والديه ولو لم يُقم الجدار لضاع حق اليتيمين فسلم أمرك لله ولا تتعجل فالله لطيف بعباده وليس هناك أعظم من فضل الله.

فإﺫﺍ ﺣﺮﻣﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ترغب فلا تحزن وتذكر أﻥ ﺍﻟﻠﻪ تعالى ﻗﺎﻝ ﺑﻜﻞ ﺭﺣﻤﺔ "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" البقرة: 216 فاطمئن لتدبير الله وحكمته واعلم أن الخيرة في اختياره فاصبر على ما قضى ولا تيأس أبدًا من لطف الله ورحمته تذكر قوله تعالى: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ " (الطور :48) فلا تفقد صبركَ إن ضاق بك الحال وتنسى أن العطاء الجميل يأتي بعد صبرٍ جميل سُئل الشافعي – رضي الله عنه – "أيُّ الأحوال أحبّ إلى الله العطاء أم البلاء ؟ فقال: ما جاءَ العطاءُ إلا بعد البلاء فاصبر على البلاءِ تُبشَّرُ بالعطاء ورحم الله تعالى من قال(1):

وَكُنْ صَبُوْرًا عَلى الْأيَامِ مُحْتَسِباً .. جَلْداً قَوِيًا عِنْدَ الْحَادِثِ الْجَلَلِ

فَالدّهْرُ مَهَمَا قَسّا تَمْضِي شَدَائِدُهُ .. فَكَابِدْ مَصَائِبَهُ بِالصّبْرِ وَالْأَمَلِ

مُتَوَكِلاً رَاجِيًا أفْضَالَ خَالِقِنَا .. فَهُوَ الْكَرِيمُ وَإنْ قَصَرْتَ فِي الْعَمَلِ

وفي الختام .. في هذه الدنيا الفانية تجمّل بالصبر وتحلَّ بالرضا واحتسب الأجر وتذكّر ما أعده اللهُ لأهل البلاء والمحن: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" البقرة:155 ارحْ قلبك فسيكافئك الله على صبرك وتحملك  وأعلم وأن الله تعالى يُوهب فضلًا لا ينضَب مَعينه ويُعطي خيرًا ممّا أخَذ، ثِقُ بمشيئة الله وحكمته وسعة رحمته وبعظيم عدله والالتجاء إليه وأعلم أنه ليس عيباً أن تلجأ لله عند ضائقة حلّت بك إنما العيب أن تقطع الحبل الذي بينك وبين الله حين يُذهبْ عنك البلاء وتحلّ عليك الرَّحمةُ فكن مع الله يكن معك في كل أحوالك استعنْ به وتوكل عليه فهو أعظم معين.


المراجع

aljazeera.net

التصانيف

ثقافات فرعية   العلوم الاجتماعية   طرق حل المشاكل   تنمية بشرية