هَبيلة الحارة ، أو الملطّة ، التي يتجرأ على لطّها كل من هب او دب على قدمين في الحارة ، شخصية تقليدية في كل الحارات في الأحياء الشعبية في المدن والقرى والمخيمات ، فكما لكل حارة مجنونها ، والدُّكَّنْجي البخيل النصّاب الخاص بها الذي يبيع الشاي بعد استعماله وتنشيفه ، او الطيب الذي يستر عورات الكرام فلا يُري دفتر الديون لأحد ، ثمة ايضاً "هبيلة" أو "طُش" خاص بكل حارة يقوم بدور الاسفنجة الماصّة لنرفزات واحتقانات السكان ، فهذا يضربه خمساويا ، وذاك "يمزعه بالشلوت" وتلك تشتمه او تدلق عليه ما تبقى من ماء أسود في "لقن" الغسيل ، وثمة عجوز ايضاً "يتنخع" من أعماقه ويلقي بمخرجاته الثقافية والفكرية بين عَيْنيْ "الهدف"،.
وفضلا عن الدور الخطير الذي يقوم به "الملطّة" او "الخُزْمكّه" في اوساط البالغين من السكان ، هناك ايضاً مهمة لا تقل أهمية يؤديها في أوساط الصغار ، الذين عادة ما يعمدون الى اللحاق به وشد سرواله ورجمه بالحصى الصغير ، أو ازعاجه بالضرب على "تنكة" واللف حوله والصياح مستعملين مفردات من مثل "هيع" وتنغيم كلمة "هـ..ا..ب..ي..ل ة" على نحو فيه الكثير من المط وترقيص الأحرف ، كما أن للملطة ايضاً دوراً آخر قد يوازي كل ما قيل ، وهو أنه عبارة عن مختبر آدمي متنقل لتجريب فحولات ورجولات الفتية الذين يدركون مرحلة البلوغ ، من حيث تمتين عضلاتهم والتدرّب على اللكم واللطم ، واكسابهم مهارات قتالية قد تنفعهم في عراك قادم ، كما أنني هنا أُمسك عن ذكر تدريبات أخرى لا أضعها في "ذمتي" سمعت عنها ولم تبلغ عندي مرحلة اليقين ، وتقتضي النزاهة والموضوعية أيضاً تطنيشها واعتبارها غير موجودة،.
مرت سنوات على إثارة هذه الصورة الكاريكاتيرية ، تمنيت أن يتغير شيء ، ولكن للأسف فقد تعمق هذا الدور لهبيلة الحارة ، حتى صار للهبل مؤسسات ومريدين وربما أدبيات،.
دور "الملطّة" أو "الخويثه" في الحارة ، هذا الحائط الواطئ الذي ينط عليه حتى من لا يملك قدمين.. ألا يذكركم بدور العربي والمسلم في هذا العالم؟،.
بقي شيء ، هبيلة الحارة له لحظات رجولة مفاجئة ، ومجنونة أحيانا ، فهو قد يستجمع قوته ويمكر بمن يهدر كرامته ، فيباغته وينتقم منه ، كأنه ينتقم من كل من أساء إليه ، حتى هذه لم يقم به هبيلة العالم بعد ، ولكن هذا لا يعني أن ذلك الإنتقام لن يأتي أبدا،.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة حلمي الأسمر جريدة الدستور