يتحرك الاقتصاد المحلي ببطء في الوقت الحالي ومنذ بضعة شهور وكأنه يمر في عنق زجاجة، بينما حقيقة الأمر ليست كذلك، فحجم التشغيل والإيراد لدى القطاع الخاص لا يدلل على وجود عقدة ناجمة عن الأزمة المالية العالمية، وفي مقابل ذلك تستسلم مؤسسات اقتصادية في القطاعين العام والخاص إلى هواجس ونذر ومخاوف ستعود بالضرر على الاقتصاد برمته في فترات لاحقة.
الأرقام والبيانات والمؤشرات ذات الدلالة بالنمو الإنتاجي أو الخدمي تفيد بأن المبالغة في التشدد والتضييق على الإقراض واستخدام فزاعة الأزمة المالية العالمية لن تساعد إلا في خلق مناخ غير صحي، يسوده التشاؤم بدل التفاؤل وهو ما ليس مبررا في سياقاته الحالية.
على صعيد علاقة المؤسسات الاقتصادية الأردنية التي تملك اذرعا ونشاطا استثماريا خارجيا، فإن مجموعة كبيرة كمجموعة البنك العربي استطاعت أن تسجل أرباحا تخطت البليون دولار قبل الضريبة والمخصصات، كما أظهرت ميزانية المجموعة ثلاثية النمو على مستويات الأرباح والموجودات والودائع كما سجلت أرباح البنك العربي ارتفاعا بنسبة 15 % ، وهو ما يشير – دون أدنى شك – إلى عدم تضرر الاستثمارات الخارجية للمجموعة، في الوقت الذي هوت فيه مؤسسات مصرفية عملاقة بفعل الأزمة المالية ومنها "سيتي جروب" التي منيت بخسائر تقارب 10 بلايين دولار العام الماضي كما مني بنك " اوف أميركا " بخسارة 1.8 بليون دولار في الربع الأخير من العام المنصرم.
داخليا وهو الأهم، فإن إيرادات الضريبة للشهر الأول من العام الحالي فاجأت الجميع بتخطيها حاجز نصف البليون دينار وارتفاعها إلى 514 مليون دينار بارتفاع يقارب مائة مليون مقارنة بإيرادات ضريبة والدخل والمبيعات عن الشهر ذاته من العام الماضي 2008.
وثمة ما يجعل مبلغ الإيرادات هذا مفارقة، فهو مبلغ كبير فاق المقدر له في موازنة العام 2009 والذي بلغ 469، علما بأن المبلغ المقدر جاء بناء على تقديرات ذات صلة بالنصف الاول من عام 2008 وهي الفترة التي لم تظهر فيها أي تداعيات للازمة المالية العالمية، ومما يعزز المفاجأة في فهم الامر ان النصف الثاني من عام 2008 شهد ركودا وتباطؤا نجم عن الازمة المالية، وهو ما يقود في المحصلة الى ان مبلغ ايرادات ضريبة الدخل والمبيعات للشهر الاول من السنة الجديدة فاق التقديرات مع الاخذ بعين الاعتبار ان تلك التقديرات كانت في الجانب المتفائل من دراسات وتقديرات الحكومة.
وفيما تستحوذ ضريبة الدخل على ثلاثة ارباع حجم الايرادات الوارد الى الخزينة الشهر الماضي، فإن القطاعات الإنتاجية والمؤسسات الاقتصادية –ومن ضمنها البنوك – قد حققت نشاطا تشغيليا ونموا جيدا ساعدها في الاستفادة من الخصم التشجيعي الذي تمنحه الحكومة لمن يدفع ضريبته خلال الشهر الاول من السنة، وعليه فإن الارتفاعات التي تحققت في مبلغ الايرادات تلك يعزز من فرضية ان القطاع الخاص الاردني بخير وان خيره انعكس على خزينة الدولة، وان المبالغة في التشدد والتضييق على القطاع التجاري او الفردي في مجال التسهيلات المصرفية ليس مبررا، ولا اساس له سوى ترويج الوهم والذعر من فزاعة الاثر الخارجي الناجم عن الازمة المالية.
والمؤسف أن مبلغ 200 مليون دينار الذي سجل كانخفاض في حجم التسهيلات الائتمانية خلال شهر كانون الاول الماضي يعبر بشكل مباشر عن استمرار القطاعين العام والخاص ( الحكومة والبنوك ) في استخدام العامل الخارجي على حساب عدم خلق واقع اقتصادي افضل للافراد والمؤسسات الصغيرة وآلاف المهنيين الذين اوصدت دونهم ابواب البنوك.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي