تمكّن الأردن، في تجربة كان لها فرادتها، من بناء منظومة تعليمية متقدمة، تقوم على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، قبل الترويج الحديث لمفهوم شراكتهما كمدخل تنموي وكأنه اختراع العصر.
وتم إنفاق مئات ملايين الدنانير حتى أصبح قطاع التعليم مفخرة أردنية، إلا أن السنوات الأخيرة أظهرت حاجة ماسة لمراجعة شاملة، لاسيما وأن الأردن ينفق بحدود 10 % من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم.
وتشكل الإناث 50 % من الطلاب على مقاعد الدراسة، بينما نجد أن مشاركة المرأة في ميدان العمل ضعيفة جدا مع ارتفاع نسبة بطالتها، في حين أن نسبة الـ 50 % الباقية من الذكور الذين يعانون من بطالة لا تقل عن 13 %، في الوقت الذي يستأثر فيه قرابة نصف مليون وافد بفرص العمل التي يولدها الاقتصاد الأردني.
وفي أميركا صدر حديثا كتاب بعنوان "التعليم العالي كيف يهدر أموالنا ويحبط أولادنا؟، وما الحل؟" للمؤلفين الأميركيين، أندرو هاكر وكلوديا درايفوس يتحدث عن التعليم الجامعي في الجامعات الأميركية.
يقول المؤلفان إن "الجامعات الأميركية تنفق أموالها بسخاء شديد على تأسيس المراكز الرياضية والترفيهية الباذخة، وعلى وجبات الطعام الممتازة، وعلى تعليم الرياضة، وعلى أعضاء هيئة التدريس الأعضاء في اللجان الجامعية، وبدل سنوات الإجازة للمدرسين Sabbatical وعلى برامج تعليمية خاوية، مثل "إدارة المنتجعات" و"الموضة وإدارتها" وغيرها، ومحاضرات "إدارة الأعمال" التي حولتها إلى ألعاب يتقمص الطالب ذو التسعة عشر ربيعا دور المدير التنفيذي لشركة جنرال موتورز، ما حوّل الشهادة الجامعية الأولى لشهادة تدريبية، هذا بينما تنفق القليل على العملية التعليمية ذاتها وتعزيز قدرات الطالب على التفاعل، ما جعل إنفاق ربع مليون دولار على نيل الشهادة الجامعية الأولى من إحدى الجامعات الأميركية مثل هارفرد وييل هدرا للمال".
ويقول المؤلفان اللذان درّسا في الجامعات الأميركية إن "كبار المدرسين في الجامعات الأميركية نسوا أن الهدف الرئيسي من التعليم الجامعي هو تعليم الطلاب، وهم يضاعفون عدد الإداريين في الجامعات ويزيدون رواتب رؤسائها، ما ضاعف تكاليف التعليم خلال السنوات العشر الماضية، بينما العملية التعليمية لم تتحسن بنفس المستوى".
وأصدر المؤلفان قائمة بأحسن عشر جامعات أميركية من وجهة نظرهم تركز على العملية التعليمية وتقدّم للطلاب تعليما جامعيا حقيقيا، ويضيفان، إن سياسات رفع أقساط التعليم الجامعي ورّطت الطلاب بقروض تعليمية ضخمة، يتوقعان تعثر تسديدها في المستقبل.
في قطاع التعليم يخسر الأردن مرتين؛ الأولى عندما ينفق 10 % من ناتجه عليه، والثانية عندما تجلس متلقية التعليم من دون مشاركة في سوق العمل، ويبقى متلقي التعليم عاطلا عن العمل بينما فرص العمل التي يولدها الاقتصاد يشغلها وافد كريم.
العبرة ليس بنسبة الإنفاق، بل بالفائدة المتحققة مما يتم إنفاقه وتعظيم هذه الفائدة، وإلا فإن نظامنا التعليمي الذي لا يقدم للسوق حاجته ولا يقدم لطالب العمل الأردني فرصة عمله، ولا يشرك من علّمه في فعالية منتجة، نظام كهذا لا يصلحه تأسيس "صندوق إقراض الطالب" بل يصلحه وقفة هادئة وخطط تعيد للنظام التعليمي الأردني ألقه وعنفوانه وتنافسيته كرافعة تنموية حقيقية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  زيان زوانه   جريدة الغد