يحتاج تغيير اسم شارع فرعي في إحدى ضواحي العاصمة البريطانية الى موافقة مجلس العموم البريطاني، وبما أن تحقيق هذه الموافقة ليس سهلا على الإطلاق، فإن إعداد تشريع لشأن سياسي كبير يكون أكثر سهولة من تغيير اسم الشارع.
وعدم المرونة هذا، يهدف الى الحفاظ على شكل ومضمون الدولة، لاسيما في الشقين الثقافي والحضاري، وبما لا يسمح لأي سياسي أو رجل أعمال بالتطاول على الهوية الحضارية للدولة التي كانت إمبراطورية ذات زمن استعماري طويل.
أين الإنجليز منا؟.. في جلسة عاجلة لحكومة البخيت الأولى وكذلك الثانية، يتم تحويل مواقع أثرية ضاربة حتى العمق في قيمتها التاريخية إلى مواقع سياحية، ولا يوجد من يحاسب ولا ما يحزنون، وكل ذلك بطبيعة الحال في غفلة من مجلس النواب الذي أعدته الحكومة وأجهزة أخرى على مقاسها، فتحويل موقع 
أم قيس ودير اليوس في عجلون وموقع البركتين في جرش وقرية مكاور في مادبا وموقع المغطس أمر خطير وينطوي على فساد وإفساد لا يمكن السكوت عنهما.
عملية تحويل هذه المواقع الأثرية إلى سياحية تمهد الطريق إلى خصخصتها وعزلها من قانون الآثار العامة، الذي ينص على أن "إدارة الآثار والمواقع الأثرية والمحميات الأثرية في المملكة والإشراف عليها وحمايتها وصيانتها وترميمها والمحافظة عليها وتجميل ما حولها وإبراز معالمها، تقبع تحت مسؤولية دائرة الآثار العامة"، وليست الخصخصة فقط، وإنما ينطوي قرار التحويل هذا على إمكانية قيام المستثمر أو مالك الشركة التي تدير الموقع السياحي بهدم الآثار أو إزالة جزء منها، إن هو أراد ذلك، وبما أن الحكومة تنازلت عن ولايتها، فإن مستقبل تاريخنا وآثارنا سيكون في مهب الريح وبحسب إرادة هذا المستثمر أو ذاك ممن يعقدون تحالفات شيطانية ضد بلادنا مع الساسة الفاسدين، والمستهدف بطبيعة علاقات المصالح هو الإنسان وتاريخه وكرامته.
فعلت خيرا حكومة الخصاونة، التي أوقفت العمل بقرار الحكومة السابقة تحويل 20 موقعا أثريا الى مواقع سياحية، ولكن حكومة البخيت كانت قد اتخذت قرارات مشابهة لخمسة مواقع في العام 2007؛ منها مواقع أم قيس ومكاور والمغطس وأخرى في عجلون وجرش، فلم تكتف حكومة البخيت في العام المشؤوم 2007، من العبث بوعي الأردنيين وإرادتهم عبر تزوير الانتخابات مرتين، بل واصلت العبث بتاريخهم واستهدفت الحضارة التي يرقبونها بعيونهم، ولا يد للبخيت ووزرائه في ألق تلك الحضارة وجمالها.
 
الطبقة السياسية التي تسنمت مواقع القرار في بلادنا فاسدة في معظمها -إلا من رحم ربي وهم قلة- وهناك زواج غير شرعي بين الساسة ورجال الأعمال، ويجري التمهيد له دوما من خلال قرارات حكومية "رشيدة وجريئة" لا تحسب أي حساب للإنسان أو لإرادته أو لقوت أطفاله وأرضه وهويته الحضارية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جريدة الغد   صحافة  حسن احمد الشوبكي