ضمن لقاءات جلالة الملك المستمرة مع أطياف المجتمع الأردني وقواه السياسية، جاء حديث جلالته مع النقابات المهنية فرصة ليؤكد عناوين الإصلاح الاستراتيجية وأجندته الزمنية كما يراها، وليوضح أيضا رؤيته وعتبه على "الاصطفافية" والتخندق التي استباحت فضاءنا السياسي بعد أن برز إلى السطح من جديد نقاش الوطن البديل المبتذل، والذي بات سيمفونية بائسة ومهزوزة، تصب، من حيث يدري أو لا يدري المتحدثون بها، في صالح أطروحات الوطن البديل، لأنها تظهر الأردن ونسيجه السياسي وكأنه هش، فيما هو صوّان قدح الشرار عندما وضع على المحك.
بدا على جلالة الملك، وفي خارج عن المألوف، شيء من الانفعال وهو يتحدث عن مسألة الوحدة الوطنية والوطن البديل، وبدا ممتعضا من هذا المستوى الذي انجرف بعضنا إليه، واصفا التمترس وتصنيف المجتمع الأردني على أساس إثني ومنبتي "بالخط الأحمر بالنسبة إليه"، ومستشعرا الحاجة إلى طمأنة الأردنيين جميعا بأن الأردن أقوى مما يعتقد المتخوفون من الوطن البديل، مشيرا جلالته إلى جيش الأردن الباسل الذي يعتبر جوهر الهوية الوطنية للبلد، والذائد عن هوية الأردن والأردنيين.. مجرد استحضار الجيش في هكذا نقاش يعد مؤشرا جزلا لرغبة الملك تذكير الأردنيين برسوخ هذا البلد وشعبه وهويته.
أنا وغيري كثيرون نشعر بالضيق لاضطرار جلالة الملك للحديث عن أمر الوطن البديل في كل فترة من الزمان، ونشعر بالأسف لأن منّا من ما يزال يقبل التفكير بالأردن وكأنه دولة طارئة تهزها أحلام "ألداد" ولفيفه. ونعتقد أن النخبة السياسية الأردنية، من شتى أصولها ومنابتها، قصّرت أنى تقصير في توضيح وتعزيز ثابت الوحدة الوطنية الأردنية، بما يحقق مصالح البلد ولا يتعارض مع التزاماته القومية، خاصة تجاه القضية الفلسطينية. والأمر يتعدى التقصير في الواقع، فقد وصل البعض منّا إلى حدود من الانتهازية السياسية جعلته يستمرئ امتطاء قدسية الوحدة الوطنية، وتخويفنا بالوطن البديل لخدمة أغراض ومآرب سياسية شخصية صغيرة بصغر حجم الضمير الوطني لذاك البعض. فمن أبنائنا من النخب، ومع كل أسف، من لعب ويلعب على وتر الوطن البديل والوحدة الوطنية لغاياته السياسية الذاتية.
واجب كل أردني، أياً كان منبته، أن يسهم في صون قدسية الوحدة الوطنية من كل عابث، وأن يشارك في ترسيخ أردنية كافة فئات مجتمعه من شتى جذورهم، وأن يجاهر بأردنيته تماما كما يجاهر بأصله ومنبته وعشيرته. ومن واجب الدولة، في المقابل، أن ترسخ مفهوم دولة القانون، بحيث يشعر كافة الأردنيين أنهم متساوون في دولتهم، وأن لا وجود لدرجات وتصنيفات للمواطنة الأردنية، ومن واجبها أيضا أن تعلن وتوضح كيف أن المساواة السياسية لن تتعارض مع حق العودة لبعض الأردنيين من أصول فلسطينية، خاصة لأولئك الذين تعترف الدولة نفسها بأردنيتهم الكاملة، وبذات الهمة والوضوح أن تبقي على وضع اللاجئ الذي سيؤدي منحه الحقوق السياسية للانتقاص من حق عودته، وتقول له بملء الفم إن وطنك فلسطين ولو بعد حين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد