صادمٌ ما سمعته من أحد رجال الأعمال هذا الشهر، في جلسة ضمت آخرين. إذ سأل -وكان جادا- عن أسعار قطع السلاح. فبادرته بالسؤال: ما حاجتك إلى السلاح؟ رد: الكل يبحث عن السلاح، وأنا كغيري. فأين المشكلة؟
من المؤسف أن نتحدث في اليوم الأخير من العام عن انتشار تجارة السلاح بطرق غير مشروعة. وبدل أن يتجه الحوار مع أحد المعنيين بالشأن الاقتصادي إلى مستقبل البلاد والاستثمار، وجهود انعاش الحالة المعيشية للسكان في العام الجديد، فقد كان السلاح مادة الحديث بعد اتساع رقعة الطلب عليه. وفي الوقت الذي كان فيه الأردنيون يتبادلون المعلومات عن السلاح وأسعاره في الخفاء، ضمن مناطق محددة، أمسى الوضع اليوم عاما وشاملا لمختلف المحافظات، وبطريقة تنطوي على علانية واضحة.
ليس هذا وحسب، إذ تنتشر المعلومات عن بورصة أسعار السلاح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الشبكة العنكبوتية عموماً، وفق أساليب بسيطة يسهل تقييدها ووقفها نهائيا. لكن الظاهرة آخذة في الزيادة لأسباب تتعلق بازدياد تهريب السلاح عبر الجارة الشمالية التي يتواصل فيها القتل منذ نحو ثلاث سنوات. فقد راجت تجارة السلاح بسبب الطلب الكبير على الأسلحة في سورية، وزادت أسعار بعض قطع السلاح اليوم عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل العام 2011.
وتذهب تقديرات غير رسمية إلى أن تجارة السلاح قفزت في السنوات الأخيرة من حجم كان بملايين الدنانير، إلى عشرات ملايين الدنانير وربما أكثر. ورغم أن جهود الأمن وقوات حرس الحدود وباقي أجهزة الدولة، تحاول الوقوف في وجه تهريب السلاح والإتجار به، إلا أن الواقع العملي يشير إلى تفشي هذه الظاهرة في ظل اقليم متوتر، وهو ما ظهر جليا من خلال القضايا التي تحول إلى محكمة أمن الدولة، وكميات السلاح التي تتم مصادرتها عبر الحدود. إضافة إلى بروز استخدام السلاح في العاصمة والأطراف، في الجامعات وحتى في امتحان "التوجيهي".
الخطوات التي اتخذتها الحكومة، ومعها مؤسسات أكاديمية متضررة من تسرب السلاح إلى الحرم الجامعي، هي إجراءات جيدة في هذا السياق، لكنها ليست كافية. صحيح أن مشروع قانون الأسلحة والذخائر الجديد قد ألغى كل الرخص السابقة للأسلحة، وأن جامعة أبدت تشددا مطلوبا قبل يومين في قرارها القاضي بفصل الطالب الذي يحمل سلاحا، إلا أن المطلوب هو ترسيخ ثقافة جديدة، مع إرادة أكثر حزما لسحب السلاح المنتشر، وتحويل من يقوم بالاتجار به إلى القضاء من دون تهاون. فالمسالة بنظر كثيرين تحتاج إلى حسم سريع مدروس، بعد وصول عدد الأسلحة المرخصة رسميا إلى نحو 350 ألف قطعة، فيما يرتفع عدد قطع السلاح غير المرخص إلى ما يفوق مليون قطعة في كل أنحاء الأردن.
تقييد تهريب السلاح والاتجار به ليس ترفا. كما أنه لا يعبر عن جانب سياسي أو أمني أو اجتماعي فحسب. بل إن هذا التقييد سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني، الذي يستند في جانب من مقومات تسويقه على منسوب الأمن المرتفع في الأردن. والمأمول أن يبحث رجل الأعمال الذي ينوي شراء قطع سلاح، عن أفق آخر يتيح له وللاقتصاد في العام الجديد تكريس الاستقرار والأمن واقعا حقيقيا، لا مكان فيه للخوف.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حسن احمد الشوبكي