اشتداد حدة الثورات العربية، واستمرار إراقة دماء المواطنين المطالبين بالحرية والكرامة والإصلاح، وإمعان قادة الشعوب بقتل مواطنيهم، أمر صاعق للمراقبين والعالم، يعكس بأبسط معانيه مستوى الوحشية والاستبداد الذي وصل إليه بعض حكام العرب.. وكأننا نعيش في عصر التتار والمغول وليس في عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويتزامن مع هذه البشاعة السياسية حالة من الحياد العربي والدولي أدت، من حيث تدري أو لا تدري، إلى إطلاق أيدي القادة القامعة للمظاهرات والقاتلة للمدنيين، والتي لا عوامل ضميرية تردعها ولا خوف سياسيا إقليميا أو دوليا يوقفها.
المجتمع الدولي يبدو مكبل الأيدي عندما يتعلق الأمر بتعامله مع الثورات العربية، فهو من جهة لا يريد أن "يحرق" هذه الثورات بالاقتراب منها أو دعمها بما يتجاوز خطابه السياسي القيمي اللاخلافي، ومن جهة أخرى فهو لا يمتلك الإقدامية أو الإجماع الضروريين لتمكينه من القيام بدور سياسي وربما أمني ذي معنى، فهو مشتبك مع عديد من الملفات الأمنية الأخرى ولا يريد إقحام نفسه بالمزيد منها. هذا في جانب المحددات لدور المجتمع الدولي التي نقر بها من زاوية واقعية سياسية على الأقل، لكن هذه المحددات لا تعني بالضرورة -ولا يجب أن تعني- أن دول العالم، خاصة تلك المعنية بالثورات العربية، لا تفكر وبشكل جدي في استثمار ما يحدث وربما توجيهه إلى نهايات تقترب من تحقيقها لمصالحها. هذا قد يحدث من خلال التدخل الخفي غير المكلف ماديا وهو ما قرأنا عن بعض منه، أو عن طريق إجزاء النصيحة وربما الدعم المادي والمعنوي لقادة الثورات وتنظيماتهم السياسية، والذين لم يعودوا يخجلون من دعم الغرب لهم ولا يعتبرون ذلك تهمة.. وهذا تغّير سياسي نوعي لا يقل أهمية عن حقيقة تبدد خوف المواطن العربي من أنظمته القمعية وتحديه لها علنا.
النظام العربي بالمقابل، وهو المعني الحقيقي بما يحدث، يقف عاجزا، وفقط بعض الدول القائدة في الإقليم تحاول التحرك والتأثير ضمن حدود رؤيتها الاستراتيجية للثورات العربية، والتي تتمحور ضمن إطار "التوجس من هذه الثورات وضرورة إيقافها". هذه السلبية والقصور السياسي عن تبني رؤية متقدمة للإقليم تؤكد انهيار النظام الإقليمي وضعف أدواته، وأنه سيستمر ليكون نظاما منهارا وعرضة للأزمات. لقد كان الأولى أن تقوم الدول المتوجسة من الثورات العربية بتبني رؤية سياسية بديلة للإقليم وأنظمة حكمه ودرجة الإصلاح والديمقراطية فيه، وبما يستجيب لظروف مرحلة ما بعد الثورات العربية، والأهم، أن تفكر كما يفكر المجتمع الدولي في نوعية القيادات السياسية الجديدة والقوى التي سيزداد تأثيرها والاشتباك معها بما يخلق أريحية سياسية مع الواقع الجديد المنتظر للشرق الأوسط والعالم العربي. بمعنى آخر، فإن سلبية الدول القائدة للإقليم ليست فقط معيبة أخلاقيا وسياسيا، بل هي قاصرة استراتيجيا آثرت أخذ موقف المتفرج على ما يحدث ما سيجعلها متأثرة ومستقبلة لما سيؤول إليه الربيع العربي وليس طرفا مؤثرا فيه.
المرحلة تلزم العالم ودول الإقليم بمزيد من التفاعل والتأثير بما يحدث، وإلا فإن مزيدا من اللاإستقرار سيحدث، ومزيدا من القتل الذي يؤسس للثأر سيقع.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد