أضاعت المعارضة الإسلامية فرصة سياسية لا تعوض عندما بدأت حوارها مع الدولة بشأن الإصلاح، فمارست التسويف وتوزيع الأدوار وبعضها الكذب أحيانا، ظنا أن اللحظة الإقليمية تسمح بانتزاع مكتسبات سياسية أكثر، وأن الوقت ليس وقت الحوار والتفاهم بل الإملاء والإجبار. المعارضة لم تتصرف بعقلانية، ولا حتى ضمن حدود استراتيجية دنيا، وفوتت فرصة بناء أواصر ثقة مباشرة مع الدولة، وأن تطرح نفسها بديلا سياسيا معقولا ومقبولا من قبل الدولة بالمقارنة مع الحكومات والنخب التقليدية. وخسارة الحركة الإسلامية تعدت تبديدها لثقة الدولة بها، والتي باتت مقتنعة أن من أبناء الحركة من يكّبر ويكذب، لتبدد أيضا ثقة القوى الإصلاحية التي كانت تناصرها من منطلق وحدة الهدف، فهذه القوى تشعر الآن أن عدم منطقية وعقلانية تعامل المعارضة الإسلامية مع الإصلاح أضر وبشكل مفصلي في فرص الاستفادة الإصلاحية التي كانت متوقعة عطفا على الأوضاع الإقليمية وإقدامية الدولة للتحرك في هذا الملف. 
من وحي هذه الصورة والفرصة الضائعة، نقف اليوم جميعا ونحن نترقب تداعيات تطور المشهد الإصلاحي والفجوة المتوقعة بين ما سيتم إنجازه على محاور الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب، وبين توقعات المعارضة، ذلك أن هذه التوقعات غير محددة السقوف. 
المعارضة الإسلامية، وعطفا على تاريخها الحديث الذي اعتمد المقاطعة و"الانتقاد عن بعد" كأحد أهم وسائل عمله، سوف ترفض أي خطوات إصلاحية قادمة، ما جعل الأخذ برأيها من قبل المعنيين بخطوات الإصلاح ليس ذا أهمية على اعتبار أنه معروف سلفا، وبهذا تكون المعارضة الإسلامية قد عزلت نفسها، ما حرم البلد جهدها الوطني الذي كان يمكن أن يكون مؤثرا.
غياب الإيجابية في طرح المعارضة الأكبر في البلد في تعاملها مع الإصلاح، رتب على المجتمع الأردني بنخبه كافة مسؤولية تاريخية، حيث يتوجب على هذه النخب إصدار الأحكام حول أحقية ومنطقية وجودة القرارات الإصلاحية المتوقعة، وأن تسهم في تشكيل توجه سياسي وطني عام حولها، يستطيع المواطن الاطمئنان من خلاله على مستقبله ومستقبل بلده، وأن الإصلاح قد تحقق بالدرجة والعمق والسرعة التي ترتضيها أصوات العقلاء من الأردنيين. هذا بتقديري هو المخرج الأساسي من الأزمة التي قد تحدث جراء الفجوة المتوقعة بين ما هو معروض وبين ما هو مطلوب في ملف الإصلاح.  
الأردن سيخطو بثبات نحو الإصلاح، ومطلب الحكومات البرلمانية أمر تريده الدولة قبل المعارضة، فعندها سيكون من السهل تحديد مصدر الإخفاق ومعاقبته انتخابيا بدلا من الاستمرار في إلقاء اللائمة على الدولة بسبب أي إخفاق تقوم به الحكومات. ومؤسف أن لا تقدر المعارضة إيجابيات المسير الإصلاحي (رغم وجود سلبيات له)، وأن تحرم البلد من إسهاماتها بتعزيز إيجابيات هذا المسير وتقليل سلبياته، ومؤسف أيضا أنها لا تحدد ملامح الإصلاح المطلوب بشكل منطقي وواقعي وبعيد عن المغالاة. ولكن ما يبعث على الفخر لنا جميعا أن الأردن يتعامل مع معارضته على جموحها باعتبارها ابنا تجدر رعايته وحمايته وهدايته؛ فلا تخوين ولا ترهيب ولا إقصاء.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد