ما نراكمه من إنجاز سياسي أو إصلاحي أو محاربة للفساد يتبدد احيانا بجرة قلم بسبب التقصير في إيضاح القرارات والدفاع عنها، وقد كنت من اولئك الذين مايزالون يعتقدون ان سواد حالة من اللاوضوح يغذي من حيث ندري او لا ندري منسوب الاحتقان العام الذي وان تراجع في الآونة الاخيرة الا انه مايزال حاضرا.
عديد من القضايا لا ندري أو نفهم ماذا حل بها: لجان التحقيق المختلفة التي تشكلت حول عدد من الاحداث الاخيرة، ما هي تفاصيل تعامل الحكومة مع اعتصام الاطباء وهل صحيح ما نسمع عن حالة من التطنيش الحكومي، ماذا حل بأنظمة المؤسسات المستقلة، كيف سيتم التعامل مع عجز الموازنة وما هي خيارات الدولة وحسبة المفاضلة بينها، ماذا حدث بموضوع الواجهات العشائرية الذي تفجر ثم تم احتواؤه، ماذا حدث باستراتيجة تطوير التعليم العالي ومتى سيتم تطبيقها؟ كل هذه الاسئلة وغيرها باتت تشكل ثقوبا سوداء في اذهان المواطنين، وهم لذلك يقعون ضحية التحليل او المعلومة الخطأ التي تملأ الفراغ الذي خلقه عكوف صناع قرارنا عن التوضيح والدفاع عن القرارات، والاخطر أن الفراغات الايضاحية تعزز الانطباع العام عن عجز الدولة او عدم رغبتها في التعامل مع هذه القضايا العالقة.
من اغرب حالات اللاوضوح ما تم تداوله عن هيكلة الرواتب، لان المعلومات بشأن ذلك تضاربت، ومن ثم أتت تصريحات جديدة لتتحدث عن أن ما تم تداوله "غير دقيق" من دون ان تقول لنا ما هو "الدقيق" لتخلق بذلك ثقبا اسود جديدا غير مريح للرأي العام. ما الذي يضير اذا ما تم شرح ذلك بالتفصيل مع بيان اسباب البطء في انجاز هذا الاستحقاق، وما هي محددات القرارات التي تنظر اليها الحكومة؟ الا يضيف ذلك لمصداقية الحكومة وشفافيتها؟
منسوب اللاوضوح يتعمق عند الحديث عن خط مسار الاصلاح السياسي؛ فالتكهنات هنا تزداد بشكل مطرد، فلا احد يدري ما هو السقف الزمني للعمل في مرحلة ما بعد اللجنة، وما الذي سيحل بمخرجات لجنة الحوار الوطني، وما هو مستقبل مجلس النواب. ليس المطلوب اجوبة محددة وانما رؤية تقريبية الى ما نحن اليه سائرون.
لدينا منجز وطني يعتد به، ولكن يصعب على المواطن رؤيته ليس لان لا احد يعظمه او يتحدث عنه، بل بسبب تشتت ذهن المواطنين باللاانجاز وعدم معرفتهم للنهايات التي وصلت او ستؤول اليها مواضيع تهمه.
مع المنصب والسلطة تأتي المسؤولية، والتي بأبسط مفرداتها تعني القدرة على الدفاع عن القرارات وشرحها بصورة مقنعة للرأي العام. للمنصب العام هيبة وسيادة يجب أن تحترم، وهذا ربما ما تم الاستخفاف به في المرحلة السابقة بعد أن اصبح وزراء وجالسو المواقع السيادية يستمرون برئاسة مجالس ادارة شركات خاصة من دون الاعتبار لخصوصية وسيادية الموقع العام الذي آل لهم، لذلك فمن الطبيعي أن يأتي من هؤلاء من لا يقدر أو لا يعي أهمية الدفاع عن القرارات والسياسات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد