الهدوء والحوار عادا للمشهد السياسي بعد فترة من التأزم، أدت إلى تدخل جلالة الملك لإعادة التوجيه وإعطاء دفعة للحراك الإصلاحي الوطني. ولذا، فحريّ بنا جميعا أن ننكفئ على صياغة الإصلاح الذي ننشد وبتشاركية تبتعد عن أي إقصائية أو تفرد. المشهد الإصلاحي ما يزال مرشحا لمزيد من الأزمات وربما المزايدات، وهذه طبيعة الأشياء في حراك المجتمعات كافة، لكن المهم والدروس المستخلصة مما حدث أن نستمر في ترسيخ تقاليد أعمال التداول السياسي العام، بما يحصّن أمن الأردن واستقراره ووحدته الوطنية المقدسة.
للجنة الحوار دور مفصلي في هذه المرحلة. فهي وبعد أن حظيت بدعم ملكي، مدعوة للمبادرة وبإقدامية إلى دور وطني يعرّف حجم ونوع الإصلاح المطلوب في ضوء تمحيص دقيق لتباينات المطالبات الإصلاحية لمختلف القوى السياسية. ومشكلة اللجنة الأساسية في محاولتها القيام بذلك ستتمثل في أن قبول دورها ومخرجاتها سيرتبط بمواقف الأطياف السياسية، وخصوصا أحزاب المعارضة غير الممثلة في اللجنة، من هذه المخرجات. ما يعني أن اللجنة ستكون مضطرة لأن تقدم طرحا إصلاحيا متقدما جدا إن كان سيحظى بقبول المعارضة، في حين أن العكس تماما كان هو الحال في لجنة الميثاق الوطني، على سبيل المثال، حيث إن شخوص اللجنة وثقلهم السياسي كانا الفيصل بقبول مخرجاتها. هذه حلقة مفرغة مقلقة، وقد تكون عنوانا لأزمة سياسية، وحريّ الانتباه لذلك واستباقه منذ الآن. في اللجنة شخصيات معتبرة لا شك، ولكن هؤلاء جزء من كل ولن يستطيعوا على الأرجح تدوير الدفة بالاتجاه الذي يريدون.
أما في خارج إطار اللجنة، فنحن جميعا معنيون، كل من موقعه، بأن نقدم رؤيتنا لتفاصيل الإصلاح، وأن نعكف على نقد الأطروحات الإصلاحية المغالية أو تلك القاصرة. ثمة إجماع أن محور الإصلاح هو قانون الانتخاب، وأن تعديله الأساسي يجب أن يتضمن إدخال جزئية التمثيل النسبي بنسبة –كما أعتقد شخصيا- لا يجب أن تتجاوز 30% في هذه المرحلة، على أن تتزايد مع كل دورة انتخابية وبعد تقييم لأداء الأحزاب تحت القبة. التمثيل النسبي يجب أن يكون على مستوى المحافظة وليس الوطن، إلا إذا أردنا حالة استقطاب سياسي وطني لا أظن أنها ستكون مفيدة في المرحلة المقبلة. وتوزيع الدوائر الانتخابية، في ظني، مقبول نسبيا بحسب الأرقام، وليس كما يعتقد البعض أنه مفرط في الانحياز وغير عادل، ولكن المطلوب تحديد الدوائر الفرعية أو الوهمية جغرافيا بهدف إنهاء جدلية الدوائر الوهمية التي أربكت الجميع بما في ذلك الدولة. أما قانون الأحزاب، فأنا ممن يعتقدون أنه ليس بحاجة إلى تعديل في هذه المرحلة، لأن التعديل المقترح على قانون الانتخاب سيكفي لدعم الأحزاب ويكسبها الحضور الوطني الذي تنشد.
الإصلاح الذي نريد يجب أن يهدف استراتيجيا إلى التقدم بالأردن درجة أو اثنتين على سلم التطور الديمقراطي لا أكثر ولا أقل، وهذا ممكن من خلال تعزيز الدور السياسي للسلطة التشريعية بالتزامن مع تحسين وترسيخ شروط نزاهة الانتخابات حتى لا ننتهي ببرلمان يمتلك دورا وقوة لكنه لا يعرف التصرف بهما. تطوير قانون الانتخاب ضمن المحاور أعلاه سيحقق لنا هذه القفزة، وهذا سيكون خيرا للجميع، وتدرجية إصلاحية معقولة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة د. محمد حسين جريدة الغد