احتجاجات متوقعة حدثت على نتائج الانتخابات النيابية، لاسيما من قبل من خسروا فيها؛ سواء على مستوى الدوائر المحلية أو القائمة الوطنية. على أن ذلك لا يعني بالضرورة احتجاجا على تزوير وقع، بقدر ما هو محاولة لتثبيت الوجود السياسي، وربما الحصول على ترضيات، أو حتى فقط لمجرد تبرير الإخفاق المدوي لكثير ممن خسروا الانتخابات. فالحقيقة تبقى أن هذه الانتخابات حققت معايير النزاهة الدولية، ولا يمكن لأي شخص موضوعي إلا الإقرار بذلك، إلا إذا ظهرت حقائق مستقبلية تؤكد العكس، وعندها لكل حادث حديث.
ما رشح إلى الآن عن مراقبي الانتخابات، من خلال تقاريرهم الأولية، هو أنها تمت بنزاهة فنية وإدارية، رغم وجود ملاحظات قانونية مرتبطة بقانون الانتخاب الذي تفادت تعليمات الهيئة المستقلة المطولة بعضا مما وصف بمثالب قانونية عليه. وكذلك ملاحظات تتعلق بالدوائر الانتخابية التي اعتمدت تقسيمات القانون السابق، ولم تستجب لمستجدات ديموغرافية أو واقع سكاني. لكن الانتخابات، بحسب التقارير الدولية، ارتقت إلى مستوى المعايير المعتمدة عالميا، واعتبرت حرة نزيهة رغم بعض التجاوزات الفنية التي لم تصل إلى حدود مقلقة تقوض العملية الانتخابية.
ارتفاع نسبة التصويت في المدن الكبرى التي طالما شهدت نسب اقتراع منخفضة، وتراجعها في مناطق خارج المدن الكبرى التي عادة ما شهدت نسب تصويت مرتفعة، هو من أهم ما يميز هذه الانتخابات. وهي ظاهرة تحتاج إلى كثير من التمحيص والتسبيب، وقد تنطوي على دلالات استراتيجية مهمة، مرتبطة بمعادلات سياسية تاريخية ربما تكون دخلت مرحلة التحول. والقائمة الوطنية قد تكون، بالفعل، حفزت مشاركة سكان المدن الكبرى كما كان متوقعا. لكن هذا لا يفسر تراجع نسب التصويت في الأطراف التي كانت أيضا تمتلك حق التصويت على القائمة. ثمة سبب لا بد أن نكتشفه عن مفاعيل قانون الانتخاب، ولماذا أحدث هذا التغيير على الأطراف من خارج المدن الكبرى، وأدى إلى تثبيط حماسها السياسي، وما معنى ذلك وكيف نقرأه استراتيجيا؟
ملاحظة أخرى يجدر التوقف عندها، ترتبط بسلوك المعارضة الإسلامية التي يبدو وقد فقدت الحد الأدنى من مصداقيتها، من خلال سلسلة ملاحظات على العملية الانتخابية يصعب على أي عاقل تصديقها. وهي بهذا السلوك إنما تثبت مرة أخرى أنها ليست بمستوى المعارضة الوطنية المؤمل. إذ كان يرجى من المعارضة أن تقدم للرأي العام رصدا دقيقا وموضوعيا للانتخابات، لا استخدام الحدث لمحاولة التشويه السياسي الأجوف وغير المقنع أو المفيد للحراك الإصلاحي العام.
أما الجديد الأهم في قانون الانتخاب، وهو القائمة الوطنية، فقد حققت إيجابية أساسية تتمثل في تعريف كثير من الطامحين السياسيين إلى حجمهم الحقيقي. فهؤلاء لن يجرأوا على "المشاغبة" بعد رسوبهم، أو ادعاء الوجاهة التي تستحق التكريم والتكبير. لكن القائمة، في المقابل، لم تحقق هدف التنافس البرامجي الوطني، بل تكرست من خلالها تجربة التنافس الفردي الشخصي والمناطقي الجغرافي، أو حتى العائلي العشائري ليس أكثر. وهذا أمر يجب استحضاره عندما يحين وقت تقييم التجربة، لأن الآمال كانت معقودة على أن تكون تجربة القائمة الوطنية، رغم صغر حجمها، بداية للبرامجية والوطنية في مداولاتنا السياسية، لا أن ترسخ المناطقية والشخصانية.
أيا كانت المواقف من الانتخابات، فهي ما تزال انتخابات مهمة بكافة المعايير، وقد نجحت. لكن لم يتضح بعد مدى قدرتها على تحقيق اختراق إصلاحي يحتوي الحراك السياسي ويؤطره، أو إلى أي مدى سيتم قبول هذه الانتخابات، وغيرها، كأدوات عمل سياسي تُجمع عليها قوى المجتمع السياسية كافة، أو أن تكون محطة مناكفة واختلاف سياسي كما لا يُرجى أن تكون.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  د. محمد حسين   جريدة الغد