كان لي صديق يعاني من مشكلة خطيرة: لا دمع لديه، وكان يترتب على هذا الأمر أن سطح عينيه يتحول إلى ما يشبه سطح الزجاج الجاف، وبالتالي تصبح حركة الجفنين في غاية الصعوبة، وقد يجرحان سطح العين الناشف، وكان يتعين على هذا الصديق شراء دمع صناعي، عبارة عن قطرة خاصة، يريقه في محجري عينيه، وكنت أداعبه حينما أراه يبكي اصطناعيا فأقول له: إنها دموع التماسيح

يقولون، أننا قد نمر بلحظات نشعر فيها بالحزن واللوعة أحيانا دون أن تكون هناك أسباب داعية إلى ذلك، فما السر وراء تلك المشاعر الغامضة/ وما ماهية البكاء أصلا؟ يقول الدكتور عادل الشافعي أن البكاء هو نعمة من الله. لأنه أصدق تعبير عن المشاعر الإنسانية فالطفل الصغير يبكي فنلبي حاجته وهنا البكاء أداة تعبير وحيدة تعوضه عن الكلام والحركة حتى يتمكن من التواصل مع الآخرين، أما بالنسبة للكبار فالأمر يختلف. عندما نحزن نبكي. وعندما نفرح نبكي.. فما هو البكاء؟

من الناحية الطبية هو خروج ما تفرزه الغدد الدمعية لوسط العين ويصاحبه سيلان مائي بالأنف والبلعوم وتقلص للعضلات العينية مع قبض عضلات الوجه والبطن وارتفاع بالحجاب الحاجز، وأحيانا يرافقه سعال خفيف. هذا ما يحدث للجسم فهل له فائدة طبية.. نعم ـ البكاء كالمطر ـ لأن البكاء يحدث نتيجة شحن العواطف بالانفعالات النفسية فتعمل على حث مراكز معينة بالجهاز

العصبي فترسل إشارات للغدد الدمعية بالتحضير والانقباض وارتخاء القنوات الدمعية فتندفع

الدموع خارج الغدة للعين فتغسلها وتنقيها تماماً من أي ميكروبات أو افرازات أخرى وبعض من هذه الدموع يصل للأنف عن طريق قناة توصل بينهم مما يساعد على تطهير الأنف ونزول السائل منها، فالسائل الدمعي يحتوي على سائل نقي به بعض الأملاح والمواد التي تفرز من الغدد الدمعية لذا فهو ذو طعم مالح قليلاً مما يساعده على تعقيم العين والملتحمة، وهذا ما يحدث للمطر حين تحتقن السماء بالغيوم والسحاب فتأتي الرياح فتحركها ليسقط المطر الذي يغسل الأشجار والطرق وكل ما على الأرض فترى الأماكن كأنها غسلت من جديد.. هذا ما يحدث

للإنسان بعد البكاء يستلقي ويهدأ ويبدأ من جديد، أما من الناحية النفسية؛ فالبكاء المخرج الأفضل لكل التوترات النفسية والانفعالات لأنه لو أخفى الإنسان هذه التغيرات النفسية والعصبية بداعي الرجولة والخوف من الضعف أمام الآخرين أو الشعور بالانهزامية. فهنا تكمن الخطورة. حيث سيعاني من العقد والمشكلات التي يزخر بها الطب النفسي، أو الطبية حيث سيؤدي ذلك لارتفاع ضغط الدم المنتشر كثيراً هذه الأيام وربما لإظهار داء السكري إذا كان عنده ميول أو تاريخ أسري للسكري. كذلك حبس البكاء والمشاعر كثيراً ما يؤدي إلى تقرح بالمعدة وأمراض القولون العصبي ولهذا نجد أن النساء وهن أكثر قدرة على البكاء بسبب الاختلاف الفسيولوجي والهرموني عن الرجال ولأن البكاء ربما يكون مظهراً مقبولاً من السيدة كتعبير عن الرقة أو الضعف أو الشفافية، لهذا نجد أنهن أقل عرضة لكثير من الأمراض التي تنجم عن عدم البكاء. لذلك علينا ألا نحرم أنفسنا رجالاً ونساءً من البكاء إن طاب لنا، ترطيباً للنفس وحرصاً على الصحة حتى ولو من وراء حجاب، خاصة ونحن نرى كل يوم ما يصيب شعبنا العربي في سوريا خاصة من قتل وتنكيل، مما يبعث في النفس ليس رغبة بالبكاء فحسب، بل تحويل مطر الدمع إلى فيضان يغرق القتلة


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية