فاز رؤساء خمس عشرة نقابة عمالية من أصل سبع عشرة نقابة، بالتزكية لغياب المنافسين. رؤساء النقابات ينتخبون بالانتخاب العام من القاعدة العمالية مباشرة.
ومن المقرر أن تجرى انتخابات الهيئة الإدارية في خمس نقابات فقط، أما الاثنتا عشرة نقابة، فستفوز هيئاتها الإدارية بالتزكية، والتغير في تركيبة هيئات التزكية محدود جدا جدا، لا يتعدى تبديل عضو أو اثنين في بعض الإدارات.
رؤساء التزكية وإدارات التزكية هم أنفسهم منذ سنوات طويلة ونجاحاتهم تتم دوما بالتزكية، حتى أن بعضهم ينجح بالتزكية منذ عشرين عاما، والحال نفسه ينطبق على رئيس وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال.
بالقطع، هذا أمر غير طبيعي، يشي بوجود خلل كبير، ولا أظن أن عزوف العمال والنقابيين عن الترشح للانتخابات النقابية ترف أو جهل.
المشكلة تتلخص بغياب أبسط قواعد الديمقراطية النقابية عن الجسم النقابي العمالي، والنظام الداخلي الموحد للنقابات العمالية، نظام يفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير المنطقية، ناهيك عن المعايير الديمقراطية، فهو مفصل وتجري مراجعته دوريا، كي يظل على مقاس مجموعة من النقابيين المحترفين، الذين لا تنطبق على أغلبهم شروط الانتساب للنقابات، فهم إما من المتقاعدين أو الذين لا نقابة لهم، أو من تم تنصيبهم بالواسطة والمحسوبية، النقابيون الحقيقيون لا يتجاوز عددهم الـ(10)%.
القيادات العمالية إياها، تهيمن على النقابات العمالية بقوة النظام الداخلي، الذي يقيد الترشيح لمنصب رئيس النقابة او لعضوية الهيئة الإدارية، ويحصرها بأعداد قليلة جدا ممن تنطبق عليهم شروط الترشيح التعجيزية، كأن يكون الراغب في الترشيح للرئاسة، قد مضت عليه دورتان نقابيتان كعضو هيئة إدارية في نقابته.
وإذا تذكرنا أن أكثر من نصف النقابات العمالية تفوز هيئاتها الإدارية بالتزكية من دون أي تغيير في عضويتها منذ أكثر من خمسة عشر عاما، فإن تحقق هذا الشرط يغدو مستحيلا. كذلك الترشح لعضوية الهيئة الإدارية للنقابة، يتطلب من بين شروط أخرى أن يكون الراغب في الترشح قد شارك في دورة نقابية عمالية تنظمها قيادة الاتحاد، وعمليا لا تمنح هذه المشاركة إلا لعدد قليل من العمال المرضي عنهم، والاشتراك في هذه الدورة يتم بالفرازة.
في التفاصيل مشاهد وممارسات أقرب إلى الخيال عن ممارسات وسلوكيات تحصن القيادات العمالية الرابضة على صدر النقابات منذ سنوات طويلة من رياح التغيير، فهي لا تتعرض أبدا إلى امتحان التنافس والانتخاب، وبعضها منذ عشرين عاما وأكثر.
النقابات العمالية عندنا أصبحت مثل نقابات الدول الشمولية أو دول الحزب القائد، مع فارق أن القيادات العمالية في تلك الدول تتبدل وتجرى فيها انتخابات ولو شكلية.
الحكومات عندنا تنظر بعين الرضا إلى واقع حال النقابات العمالية ولا تحرك ساكنا لتطبيق القانون، لا بل تسهل عليها تجاوز القوانين والانظمة وتعديل النظام الداخلي للاتحاد وإجراء التعديلات "الضرورية" لسد أي ثغرة يمكن أن ينفذ منها نقابي من خارج الصف.
إبقاء النقابات العمالية تحت السيطرة مرده الخوف من وصول قيادات عمالية "متطرفة" تؤثر على العلاقة "المستقرة" بين العمال وأصحاب العمل، وللحفاظ على بيئة الاستثمار.
الحذر مطلوب، لكن المطلوب أيضا، أن نلتفت إلى واقع العمال في العديد من القطاعات، حيث تدني الأجور وغياب الحد الأدنى من الحقوق العمالية والتعدي عليها.
وجود قيادات عمالية نظيفة ومتنورة ومنتخبة، هو الكفيل بإحداث التوازن والاستقرار العادل بين أطراف الإنتاج، ما يحقق السلم الاجتماعي وينصف الأطراف كافة. أما إدامة "الاستقرار" على حساب الطرف الأضعف وهم هنا العمال، فهو الظلم بعينه وما لا تحمد عقباه.
هل علينا ان ننتظر خضات مثل أحداث عمال الموانئ أو عمال المياومة، لنتنبه للحاجة إلى وجود نقابات ونقابيين من رحم القطاعات، أقدر على إدارة الخلافات وأكثر واقعية من قيادات يفرزها الغضب والغيظ.
يجب إعادة النظر في الطريقة التي يجري التعامل الرسمي فيها مع النقابات العمالية. يجب تسهيل عملية تجديد القيادات العمالية المتكلسة الفاقدة لشرعيتها النقابية، من أجل العدالة والاستقرار والنماء والتقدم.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  بسام حدادين   جريدة الغد