محمد حسن طنون
عضو هيئة علماء السودان
أمتنا منكوبة بحق وحقيقة، تتلقى الصفعات واللكمات والصدمات وراء الصدمات؛ فلا تفيق من سكرتها، ولا تستفيق من رقدتها، وإن حسبهم الجاهل أيقاظا وهم رقود.
أربعون عاما حسوما مضت على النكبة الكبرى -نكبة الخامس من يونيو- والأمة لم تراوح مكانها؛ بل هي عادة خطوات كبيرة إلى الوراء، وهي تجرجر أذيال الخيبة، وزادت جروحات الأمة باحتلال المزيد من أوطان المسلمين، وإدارتها إما مباشرة أو عن طريق العملاء الخبثاء.
المسجد الأقصى ما زال أسيرا في يد اليهود؛ وهم أجبن الناس، وأرذل من خلق الله؛ ضربت عليه الذلة والمسكنة، ولعنهم الله، وباءوا بغضب على غضب من الله.. فمن يفك أسره؟!.
أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين؛ في خطر قادم قريب.. المنظمات اليهودية المتطرفة تطلق على نفسها اسم (القدس واحدة) وهي تحاول مرارا اقتحام المسجد؛ تمهيدا لهدمه، وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه.
الجهات الأمنية -كما يقول تقرير مؤسسة القدس- تركز في تصريحاتها على التخويف من قرب وقوع اعتداء كبير على المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وساستهم يستخدمون الأقصى للترويج لبرامجهم الانتخابية؛ فكل زعيم سياسي يصرح بأنه إذا انتخب رئيسا للحكومة فسيبني الهيكل؛ لأنه (حينما يبنى الهيكل سيحل السلام في العالم بأسره).
المسجد الأقصى ثغر الرباط، كما أن البيت الحرام حاضرة الهداية، ومن يعش في البلاد التي يقع فيها المسجد -وهي كلها أراضٍ مباركةٌ- يجد نفسه في جهاد دائم، وحركة دائبة؛ كلما خرجوا من محنة أعيدوا فيها.
سكان القدس المسلمون هم رأس الحربة في حماية المسجد الأقصى من المعتدين الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيه اسمه ويسعون في خرابه؛ وذلك بتقييد قدرة المصلين على دخول القدس والوصول إلى المسجد الأقصى، ولا سيما الشباب المجاهد المرابط في سبيل الله.
هؤلاء المرابطون من أهل القدس هم الذين يتحملون -بشجاعة نادرة- تبعات الهزائم؛ التي كان سببها الطواغيت؛ الذين انهزموا بعد العنتريات الفارغة أمام جحافل اليهود في ست ساعات فقط؛ كما هي الحقيقة، وفي ست أيام كما ادعى المنهزمون، وفي كل شر.
السؤال الآن: لماذا انهزمنا في ست ساعات -أو ست أيام؛ لا فرق-؟! ثم ماذا يجب أن نعمل لننتصر؟!
أما لماذا انهزمنا؟! إان السيد سعد الجمعة -رئيس وزراء الأردن؛ أيام الحرب- يلخص السبب بقوله: (شعوب مضللة، وقادة خائبون، طواغيت تخلفها طواغيت، يتعذرون بغير بعذر، يغضون عن المسيء، ويصطنعون الجهلة والفساق والمجان، ويحملونهم على رقاب الناس، يجرعونهم القصص، ويرهقونهم بالعسر).
انهزمت الجيوش العربية كلها في زمن يعد بالساعات لا الأيام، والأسباب معروفة، ومنذ ذلك التاريخ المشؤوم بدأ عصر السقوط العربي، وكان التدحرج إلى القاع، ورأينا مراسم الاستسلام خفية، ثم جهرة، فصارت للأنجاس اليهود اليد العليا، ولمن كان خير أمة أخرجت للناس اليد السفلى.
تلك هي العلة؛ فما العلاج؟!.. كيف نحرر الأقصى الأسير؟!.. هل ننتظر قائدا فردا كصلاح الدين الأيوبي، الكردي، غير العربي؟!.. إن انتصار الفرد، المخلِّص، المنتظَر خيبة لا تعدلها خيبة!! فرجل فرد مهما أوتي -من عزم وقوة وفكر سديد- لا يقدر على شيء؛ إلا أن يكون نبيا مرسلا كإبراهيم الذي كان أمة وحده؟! ولكن زمن المعجزات ولى، وانتظار القائد المنتظِر وَهْمٌ؛ وهذا الوهم هو الذي جعل الأمة تضع أقدارها وأمورها كلها في يد فرد ملأ الدنيا ضجيجا وجعجعة، ثم كان الحصاد مرا، هشيما تذروه الرياح.
مثل هذا الوهم من الخطورة بمكان؛ لأنه يصطدم بعنف مع الحقائق القرآنية؛ التي توظف كل الأمة -بجميع أفرادها- لخدمة المجتمع؛ لإيجاد مجتمع معافً من الأمراض الاجتماعية؛ لتحقيق النصر المبين.
يتحدث القرآن عن القوم؛ لا عن الفرد: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وصلاح الدين نفسه كان فردا، وخامة طيبة، واعدة، في جيل نشط، مرَّ بعملية جماعية للتغيير؛ وفق الأسس القرآنية، والسنن الربانية.
تحرير الأقصى يحتاج إلى جماعة تتوفر فيها مواصفات إيمانية معينة محددة.. إن السنن الإلهية اقتضت ألا تكون هناك قوة ومنعة ونصر إلا إذا تزاوج عنصران مهمان؛ بدونهما لا تكون قوة، ولا يتحقق نصر؛ الإخلاص في النية، والصواب في التفكير.. والعمل مع غياب أحدهما يجعل التضحيات بلا فائدة تذكر.
علينا أن نتذكر الأقصى ليل نهار، وكلما اتجهنا إلى القبلة في مكة تذكرنا أولى القبلتين، ولا ننساه، ولن نقنط أو نيأس، وستأتي الأمة التي تتربى بالقرآن والإيمان؛ ويومها سيفك الله الأسر عن المسجد، وسيدخل المؤمنون مسجدهم؛ فاتحين، فرحين بالنصر.
إن مؤسسة القدس تطلب من الجماهير العربية والإسلامية أن تكرس الجهد لنصرة المدافعين عن الأقصى، ورفد جهدهم الرائد في حماية المسجد الأقصى بكل ما يحتاجه من موارد مالية، ودعم معنوي ومادي، واحتضان، وتواصل.
وإن المؤسسة ترى أنه لا بد من تخطيط وتحضير لحملات وتحركات جماهيرية؛ تتناسب مع التهديدات الخطيرة المنتظرة في المرحلة القادمة.. والمطلوب من هذه التحركات دفع الحكومات العربية والإسلامية للتحرك السريع، والتدخل بشكل فعال، ومخاطبة العالم بلغة واضحة.. إن المسلمين في الأرض لن يفرطوا في المسجد الأقصى تحت أي ضغط.
إن الحفاظ على رمزية القدس والمسجد الأقصى في وعي الجماهير لهو غاية في الأهمية؛ على كل فرد أن يردد مع نفسه: الأقصى في خطر؛ افعل شيئا.. ولا تنسَ شد الرحال إليه؛ لأنها (القدس) القبلة الأولى؛ حاضرة الأمة، وعنوان قضيتها المركزية!
المراجع
الموسوعة الالكترونية العربية
التصانيف
تاريخ أحداث أحداث جارية