فيما كان النجم في دائرة السياسة واللعب والطرب ، يحظى باهتمام الجماهير واعجابهم ، انضم النجم في دائرة الدعوة الدينية ليحظى هو الآخر باحتشاد الناس واعجابهم ايضا.

بدأت القصة منذ بداية التسعينيات ، فمع تراجع ظاهرة “الدعوة” التقليدية التي جسّدتها المؤسسات الرسمية والحركية الاسلامية ، بدأ نجوم الدعوة الجدد يسطعون في فضاءات عالمنا العربي ، معظمهم من جيل الشباب ذوي التعليم المدني او الشرعي “المتمدن” وخطابهم يبدو واحدا: نزعته اخلاقية ، بعيدة عن الجدل العقدي والمذهبي ، ودعوته تنصب على الفرد وتنأى عن الجماعة ، ومضامينه اجتماعية واقعية منزوعة من السياسة ،ومصدره صار من الفضائيات والاعلام لا من المسجد ، المكان التقليدي للوعظ والارشاد ، ومتجها نحو طبقات محددة في المجتمع ابرزها الشباب الميسور الحال.

لماذا انسحبت الجماهير من مجالس الفقيه والداعية والامام التقليدي الى الشاشات ومقاعد المحاضرات في الفنادق والقاعات التي وقف فيها نجوم الدعوة الجدد لالقاء دروسهم او تقديم وجباتهم “الدينية” امام عشرات الآلاف من المعجبين والمعجبات ، وكيف استطاع هؤلاء ان يستميلوا عقول الشباب وقلوبهم؟ هل نحن امام ظاهرة تستدعي الاحتفاء والتشجيع ام “حالة” تستأهل التشخيص والفهم.. والتأني في اصدار الاحكام ايضا.

لا شك بان الطلب على الدين اخذ يتصاعد في السنوات الاخيرة ، وبأن الخطاب الاسلامي التقليدي -مع الاحترام لرموزه - عجز عن مواكبة اسئلة العصر واحتياجاته ، مما ترك فراغا كبيرا وسّعه دخول الفضائيات الاعلامية وانهيار النظريات الفكرية والعقدية الكبرى في العالم ، وكانت -بالطبع - ثمة حاجة لمن يستجيب لهذا الطلب ويرد على هذه الاسئلة ويملأ هذا الفراغ ، وقد حصل مع قدوم “الدعاة” الجدد وازدياد عددهم وتنافس الاعلام عليهم ، البعض لا يتردد في الترحيب بهؤلاء ويرى انهم قدموا خدمة جليلة للدين ، واخذوا بيد الشباب نحو “التدين” بما يتضمنه من قيم واخلاق وحفاظ الهوية والمجتمع ، والبعض الآخر لا يتردد -ايضا - في انتقادهم فدعوتهم الى الدين تصدر من غير مختصين في الشريعة ، وغير عارفين بمقاصدها وتفاصيلها الشرعية والتدين الذي يروجون اليه تدين استهلاكي ، فردي ، لا يأبه بقضايا الامة الكبرى ولا ينتج فعلا حضاريا معتبرا.

والداعية النجم -كما يراه هؤلاء - مجرد مستثمر او مروّج اصبحت له ماركة تجارية لدى الاعلام ، او هو “رجل اعمال” ديني ، يحكمه منطق السوق ، والمعجبون به “مستهلكون” فقط ، تدينهم غير ناضج ، ومنقوص او معكوس او مغشوش احيانا ، فيما التدين الحقيقي المنتج يحتاج الى “علماء” او فقهاء يحركهم منطق “الدعوة” لا منطق “التبشير” او الترويج فقط.

بين الموقفين ، موقف المعجبين وموقف المنتقدين ، يبدو ان النجم الداعية قد وجد جمهوره فعلا ، وتمدد على اغلب الفضائيات والمنابر ، واستحوذ على اهتمام الداخل والخارج ، ونجح في استثمار “الدعوة” واستقطاب المزيد من اشباب الى حاضنة “التدين” ومع ذلك يبقى سؤال “التدين” وعلاقته ببناء الفرد والمجتمع وصناعة النهضة وتجاوز الهزيمة والتخلف وهو الاختيار الحقيقي لفاعلية الداعية الجديد ونجاحه: هل هذا التدين الذي افرزته التجربة الاخيرة صالح وصحيح ام فاسد ومنقوص؟ هل هو استهلاكي ام منتج؟ حقيقي ام وهم؟ هل يصلح لبناء الانسان ام لا؟ هل هو منسجم مع الاصل والعصر معا؟ هل يمتد من مجرد علاقة بين الانسان وخالقه الى الانسان وامته وعالمه وقضاياه ايضا؟ مرحبا بالدعاة -نجوما كانوا ام اقمارا - لكن المهم هو التوجه الى هذا “العقل” المسلم الذي استقال من وظيفته واعتذر عن القيام بواجبه.. فهل بمقدورهم ان يعيدوا تشغيله وحركته.. وان يدفعوا قطاره الى الامام .. هذا هو امتحانهم وامتحاننا ايضا.

حسين الرواشدة

المراجع

ammonnews.net

التصانيف

صحافة  حسين الرواشدة   العلوم الاجتماعية   الآداب