في الاستراتيجية “المكتومة” التي اعدتها مبادرة زمزم لتقييم انجازاتها واخطائها وتحديد ملامح “خريطة” لانطلاقها في الاعوام القادمة، جاء في احد البنود اقتراح بضرورة “استثمار” الاعلام بحيث تصبح مبادرة “زمزم” متداولة بشكل يومي، سواء على شكل خبر او تعليق او رأي.

لكن منذ تاريخ اشهار “المبادرة” (5/10/2013)التي حظيت آنذاك باهتمام رسمي واعلامي، بدأ نجمها –اعلامياً على الاقل-بالخوف وتراجع صداها ، وباستثناء القليل من النشاطات ولقاءات “التعارف” التي أشبه ما تكون “بعلاقات عامة” لم نسمع اثرا حقيقيا يذكرنا ب “زمزم” او يشير الى انها “نضجت” كفكرة، او أصبح لها وزن على الأرض، او انها استقطبت “الآلاف” الذين انتظرتهم وانتظرناهم معها ، سواءً من داخل الجماعة او من خارجها.

باختصار، ظهرت مبادرة زمزم في “حجمها” الطبيعي، كمبادرة اجتماعيّة بطعم فكري وسياسي مألوف، وبدون برنامج واضح،وبعدد قليل من “الاعضاء” في مقدمتهم ثلاثة رؤوس :الدكتور رحيّل غرايبة الذي كان بمثابة “عقل” المبادرة ومنظرها،والدكتور جميل الدهيسات الذي اعتبر ذراعها الاداري والاجتماعي، والدكتور نبيل الكوفحي الذي تصدّر واجهة التسويق السياسي والاعلامي، ووضع للمبادرة ما تحتاجه من “قنوات” للتصريف في المجالات المختلفة، وبهذا فإن المبادرة لم تشكل ايّ خطر، لا على الاخوان ولا على غيرهم، وكان يمكن ان تبقى في هذا الاطار كغيرها من “الجمعيات” او “المبادرات” التي حلّقت بعض الوقت في الفضاء ثم اصدمت بالأرض.

في حسابات “العقلاء” داخل الجماعة كانت الصورة واضحة تماماً، فالثلاثة الذين “تمردوا” على التنظيم بعد ان ضاقوا “بأوامر” الطاعة وانسدت امامهم ابواب المشاركة، لم يشهروا انشقاقهم، ولم يخطئوا لكي تتم معاقبتهم “بالطرد”، كما ان اوضاع “الحركة” لا تتحمل مثل هذا الاجراءات، وبالتالي دفع هؤلاء العقلاء نحو “استيعاب” المسألة، وابقاء ابواب “العودة” مفتوحة امام “زمزم” إن لم يكن انحيازاً لمبدأ “ولا تنسوا الفضل بينكم” فمن اجل “تطييب” العلاقة مع الدولة، والحفاظ على وحدة الجماعة، وعدم اعطاء “المبادرة” اوراقاً جديدة قد توظفها لمصلحتها، سواءً من المتعاطفين معها داخل الجماعة او من الخصوم الذين يتربصون بالحركة وينتظرون ساعة انشقاقها ،اما على الطرف الاخر داخل الجماعة فكان ثمة منطق “لتصفية” الحسابات والثأر، وقد بدأ اصحابه بالتحشيد “للمحاكمة”...واقرار الفصل، وكانت حججهم المعلنة تستند الى “الدفاع عن هيبة الجماعة” ومنع حدوث سابقة قد تدفع الاخرين للتمرد على أوامر التنظيم، واثبات قدرة “الجماعة” في كل وقت على “تأديب” الخارجين عليها مهما كان وزنهم...لكن تحت هذه الحجج كانت حسابات اخرى لا علاقة لها بمصلحة الجماعة، ومن المفارقات ان قرار الفصل صدر في اجواء “التسخين” لانتخابات مجلس شورى الجماعة ومكتبها التنفيذي، كما ان المحكمة التي من المفترض ان يسـتأنف القرار امامها مازالت مجهولة، فيما لا احد يعرف فيما اذا كات القرار قابلاً “للاستئناف” ام لا، لاحظ اننا نتحدث عن حركة لا عن دولة، وعن تنظيم يطالب بالديمقراطية والنزاهة والشفافيّة والعدالة، وعن “نموذج” اسلامي يسعى للمشاركة في الحكم، ويخاطبنا بالقيم وبأخلاقيات العمل العام، ويؤمن ايضاً بالتعددية والاختلاف ،ولا حظ ايضا اننا لانحمل احد الطرفين الخطأ دون الاخر (وان كان لكل منهما نصيب فيه وان اختلفت الموازين)وانما نتحدث كما دأب اخواننا في مواعظهم عن (مصلحة الجماعة ) وعن ادارتها لازمتها الداخلية ، وعن فكرة مبدأ العقوبة ذاتها في سياقات تاريخية اتسمت بالانتقائية -للاسف- وبتغليب الشخصي على العام ،والمهم على الاهم.

القرار لم يكن صادماً، كما جاء في بيان رد “زمزم” ولم يكن مفاجئاً، والمسألة لا تتعلق “بجلد الفجر وعجز التقي “، فالاخوة الثلاثة الذين فصلوا يعرفون تماماً كيف “تفكر الجماعة” وكيف “تدار” ايضاً، ويدركون ان بعض القيادات فيها انتظروا هذه الفرصة طويلاً، فلما جاءت اصبح من العبث ان “يفوتوها”...حتى لو كان الثمن الذي تدفعه الجماعة مكلفاً.

لكن حين ندقق اكثر نكتشف بأن هذا القرار كان بمثابة هديّة “لمبادرة زمزم”، او انه – ان شئت الدقة- نفخ الروح فيها واخرجها من تحت الرماد الذي كاد ان يغطي “شرارتها”، واذا كان الاخوان ربحوا قبل صدوره ميزات مثل التعقل وحسن التدبير والتعامل، ووضعوا المبادرة في حجمها الطبيعي، واسكتوا خصومهم الذي لطالما اتهموهم “بالاستحواذ” والثأريّة وعدم قبول الآخر، فأنهم بعد صدوره خسروا ذلك، وفي المقابل ربحت زمزم مزيداً من التعاطف والترويج والتداول الاعلامي، كما انفتحت امامها ابواب “الاستقلال” والتمكن والانتشار والاستقطاب، سواءً ظلت كمبادرة ام تحولت الى اطار تنظيمي .

هنا يكمن خطأ “القرار” وخطره ايضاً ، اذ ان امام ( زمزم) التي خرجت الآن من رحم الاخوان، بالطرد لا بالانشقاق، ان تفكر في الخطوة التالية...والسؤال : كيف سيكون ردها العملي..وماهي فرص حدوث انشقاق داخل الجماعة...وفي اي اطار سيكون..وهل ستدخل اطراف اخرى على الخط ، ثم هل كان الوقت مناسبا لتصفية الحسابات بين “الاخوة” لاسيما ورأس “الاسلام السياسي” اصبح مطلوباً في كل مكان...

غداً سنحاول الاجابة ان شاء الله


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  حسين الرواشدة   جريدة الدستور