تسعى مراكز صنع القرار لرصد مدى وحجم الحراك الذي يجوب مختلف محافظات المملكة، لتقدير حجم عدم الرضا الشعبي عن مسيرة الإصلاح التي وضعت لها خريطة طريق للتنفيذ اعتمدت مراحلها ومكوناتها على تقدير هذه المراكز، ولم تكن استجابة لمطالب الحراك وترجمة لمطالبه. تحاول هذه المراكز من خلال قراءاتها التقليل من شأن الحراك، معتمدة على أجهزة رصد غير دقيقة، ربما لتخرج بنتائج ترضي طموحها وتفرض حلولا تناسب تلك المراكز وتطلعاتها، وليست بالضرورة ترجمة لحاجة المجتمع إلى إصلاح حقيقي.
معيار القياس لدى هذه الجهات يركز على المسيرات وعدد المشاركين فيها، وطبيعتهم وخلفياتهم وأصولهم، ما يوصلها إلى نتائج غير دقيقة تشبع رغباتها بالاستنتاج بأن الحراك بسيط ومحدود ولا يشمل جميع الأردنيين، مع محاولة غير مفهومة بجعل الحراك لدى طرف دون آخر، وكأنها بذلك تسعى لتقسيم الناس وتحييد دور شرائح واسعة من المجتمع. بيد أن اعتماد عدد المشاركين كمبدأ لقياس حرارة الشارع غير علمي وغير دقيق، فالمسيرات ليست المعيار الوحيد لقياس مدى قبول المجتمع واقتناعه أو إيمانه بما يطالب به المحتجون، إذ إن كثيرين ممن لم يخرجوا حتى اليوم إلى الشارع مؤمنون بالإصلاح كونهم متضررين من السياسات التي طبقت على مدى عقود، وثمة أسباب كثيرة لذلك، لا يتسع المجال لشرحها.
والقياس الحقيقي للحرارة بحاجة إلى موازين حساسة قادرة على استشعار الغليان الداخلي الكامن الذي لم تظهر أعراضه بعد، لكنها موجودة في كل الأحوال وللأسباب ذاتها المرتبطة برفض الفساد وتقليل هيبة الدولة. البعض يحاول التجاوز عن الإصلاح السياسي والقفز للحديث عن تهالك الوضع الاقتصادي نتيجة للحراك الشعبي، والسؤال الذي يقفز مباشرة، ما الحل؟ والجواب المنطقي، هو عودة الناس من الشارع وجلوسهم في بيوتهم.
الإصلاح الاقتصادي لن يقعد المحتجين اليوم في منازلهم بل سيدفع آخرين للخروج، وبذلك تكون الأزمة تفاقمت، وتتوفر الظرف المواتية لخروجها عن السيطرة. إذن الوصفة الاقتصادية ستؤدي إلى مزيد من التصعيد، ما يعني أن الحل في ظل المعطيات الحالية وبالدرجة الأولى سياسي بامتياز، يقوم على محاربة الفساد، واستعادة هيبة الدولة وتقريب وجهات النظر بين مختلف القوى السياسية الموجودة على الساحة المحلية، المتمثلة بالمعارضة التقليدية التي يعبر عنها الإسلاميون، والحراك الشعبي الذي نما وتطور بفترة قياسية نتيجة مماطلة الدولة في إحداث الإصلاح المطلوب.
والأزمة تتسع اليوم لأكثر من سبب؛ الأول تعثر تطبيق خطوات خريطة الطريق الإصلاحية التي حددتها الدولة وعدم رضا العديد من الجهات عن مكونات هذه الخريطة أصلا. المصلحة العامة والحفاظ على الأمن المجتمعي تقتضي إعادة النظر بسيناريوهات الإصلاح، وفتح قنوات للحوار مع مختلف قوى الحراك، وتحديدا غير التقليدية والتي كانت قل سنوات قليلة على النقيض مما هي عليه اليوم، ما يجعل حراكها أخطر وبلا سقوف أو محددات.
استعادة العلاقة مع المعارضة التقليدية ضرورة وليس ترفا، فلا إصلاح أو قبولا شعبيا في ظل تحييدها، والاستخفاف بمشاركتها. حتى اليوم قياس درجات الحرارة لا ينسجم مع الأعراض ما يؤدي إلى تشخيص خاطئ، فهل ميزان الحرارة معطل؟.
المراجع
ammanxchange.com
التصانيف
جريدة الغد جمانة غنيمات صحافة