كما كانت التوقعات
تفاجأت الحكومة، قبل أسابيع، بموعد استحقاق القرض الروسي البالغ 300 مليون دولار، والذي كانت اقترضته من موسكو قبل ثلاثة أعوام، وحصلت على فترة سماح لسداده.
غياب الخطة، ومن ثم الإدارة العشوائية لملف الدين، أدى إلى نسيان قرض بقيمة 300 مليون دولار! والآن، بدأ الاستحقاق الفعلي لدفعات القرض التي لم تكن ضمن حسابات وزارة المالية للعام 2014.
المفاجأة أربكت كوادر "المالية" التي حارت في كيفية توفير المبلغ المطلوب. وإذ حُلّت المشكلة، بتمديد فترة السماح، إلا أنها ما تزال تشير بوضوح إلى تكهنات سابقة، تمثّلت في إمكانية ارتباك القائمين على السياسة المالية في مواجهة استحقاقات الدين الكبير، والذي يُتوقع له مواصلة الارتفاع خلال العام الحالي، ليزيد على 20 مليار دينار.
خلال الأسبوع الماضي، نشرت وزارة المالية البيانات المالية حتى نهاية الشهر الحادي عشر من العام الماضي، والتي أظهرت أن الدين العام بلغ نسبة 80 % من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بحوالي 24 مليار دينار. وهذا بحد ذاته مؤشر خطير. تتعاظم الخطورة في حال لم تضع الحكومة خطة محكمة لسداد الدين، خصوصا أموال الجهات الخارجية. فتهديدات الدين مهما كبرت، تتضاءل أمام قدرة الحكومة على الالتزام وسداد المبالغ المطلوبة في مواقيتها المحددة.
القرض الروسي ليس إلا جرس إنذار لتذكير الحكومة بضرورة تأسيس "صندوق سداد الدين"، تُودع فيه مبالغ محددة بقيمة مدروسة، تتناسب وأقساط الدين المطلوبة، ولاسيما تلك التسهيلات التي يفرض الاتفاق عليها تسديدها دفعة واحدة. هذا النوع من القروض يمتاز بأن قيمته مرتفعة في العادة، وبحاجة إلى مخصصات لا يمكن للحكومة توفيرها مرة واحدة؛ ما يجعل فكرة الصندوق مفيدة لتوفير الأموال وتسديدها لأصحابها، من دون أن تضطر الحكومة إلى الاقتراض من أجل تسديد القروض، نتيجة غياب التخطيط. ومن القروض التي تُستحق دفعة واحدة، قرض "اليورو بوند" الواجب السداد في العام المقبل، بقيمة 750 مليون دولار. هذا إضافة إلى القرض المكفول من قبل الحكومة الأميركية، بقيمة 1.2 مليار دولار، والمستحق السداد خلال العام 2020.
كذلك، فإن أقساط الدين الداخلي ليست قليلة، ولا تقل خطة سدادها أهمية عن تلك الخاصة بالدين الخارجي. فضرر الدين الداخلي كبير، وربما يتجاوز تأثيرات نظيره الخارجي، كونه ينافس القطاع الخاص المحلي على التسهيلات من ناحية، ويهدد القطاع المصرفي الأردني الذي قدم نسبة كبيرة من تسهيلاته للحكومة، من ناحية أخرى.
مشكلة الدين تتزايد في ظل تواضع أرقام النمو الاقتصادي، وتراجع الإنتاجية؛ الأمر الذي ينعكس على قدرة الحكومة على الوفاء بالالتزامات المالية لبند الدين، كونها تركز على الإنفاق الجاري بالدرجة الأولى، والمتمثل في الرواتب والتقاعد والنفقات التشغيلية، وهي البنود التي تشكل نسبة كبيرة من الإنفاق العام، وتستنزف الموارد المالية المحلية.
أزمة الدين عرضة للتفاقم، طالما أن فكرة الاقتراض تبدو، حكومياً، الطريق الأسهل لحل مشكلة العجز، بدلاً من الالتفات إلى خفض "الممكن" من الإنفاق. وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى تفاقم عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات، ويضاعف معاناة الاقتصاد بتباطؤ النمو.
قيمة الدين العام مقلقة. لكن ما يقلق أكثر إنما يتعلق بقدرة الحكومة على سداد هذا الدين وكلفة خدمته. والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، يفترض وضع خطة واقعية وذكية لإدارة ملف الدين العام؛ إذ لا يصدق المرء أن ننسى قرضا بقيمة 300 مليون دولار؛ وكأننا دولة مكتفية ذاتيا، وأن هذا المبلغ لا يعني شيئا! بمناسبة الحديث عن الدين، وافقت الحكومة الأميركية على كفالة قرض جديد للمملكة بقيمة 750 مليون دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة لم تنفق القرض الأول المكفول من واشنطن، الأمر الذي ينعكس على حجم الاقتراض الخارجي للعام الحالي، والذي لا يتوقع أن يزيد على 800 مليون دولار، ما ينعكس ايجابيا على فجوة موازنة التمويل.
بقلم جمانة غنيمات.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد جمانة غنيمات الآداب العلوم الاجتماعية