أصفقُ باب الـ (ايميل) خلفي كلما دخلتُ ووجدته قاحلاً!
ألم يبق في جزدانك الصغير المطرّز أي شيء تقولينه لي؟
... ... ...
ها أنذا أجيءُ كلّ صباح في الخامسة فجراً:
أكنسُ التراب الخفيف، أرشُّ ماءً من الإبريق القديم، أصلّي
على النبي كثيراً، وأضع كرسيّ القش على باب الـ (الإيميل) وأجلس!
مذاق الرسائل القصيرة على "الهاتف" مثل جرعةِ ماءٍ سريعة من عند الحلاّق؛ لا تبللُ الروحَ سوى ما يكفي لتصلَ البيت.
وفي السن هذه لا يناسبنا نحن الرجال توتّر الأعصاب؛ إذ كاد باب الـ (إيميل) في آخر مرةٍ ينغلق على أصابعي!
... ...
أريد الكثير...
تفاصيلك الصغيرة، وتحديداً الحمقاء:
لماذا اختلفتِ مع عامل محطة البنزين أمس؟ بماذا علّقت خالتك العانس على حفل العرس؟ كيف بدأت جدتك هواية زرع اللوبياء؟
من يستطيع لفت انتباهك في المنتخب الإيطالي؟ كم ملعقة من السكر صرت تضعين في فنجان شايك بعد تعارفنا؟
... وأكون ممتناً لو أرفقتِ لي شرحاً تفصيلياً عن الأعياد الوطنية في بلادك!
أريد الكثير...
أن ألقى تذمراً الكترونياً لكون (ايميلي) لم يعد بوسعه تلقي المزيد من الرسائل، تثاقلاً في جفنيَّ جراء الإفراط في القراءة، شبقاً كهربائياً لا تحتمله أسلاك "السيرفر"، اعترافاً - ولو غير مباشر- بأنه من الضروري أن أكتب لكي تعيشي!
...
حدثيني لمن كنت تضحكين قبل أن تعرفي اسمي، ومن أولُّ رجلٍ قال لك: يجب أن أراك غداً!!
وهل كان ضرورياً أن يكون لون شعرك في تلك الساعة أسود؟!
قولي لي: لماذا تبرد ألوان الستائر حين تنامين؟ وتبقى النهاراتُ ذابلةً في جيب الرزنامةِ حتى تصحو على تنهد قدميكِ في الفراش.
أريد الكثير ...
سلّة الهواجس التي تتسلقُ جسدكِ قبل أن تنامي، بعضاً من الماء الذي غسلتِ به وجهكِ هذا الصباح، ما تبقى من أصابعي على أصابعكِ قبل أن تجهش الطائرة بالصعود!
وضحكةً واحدةً، أخبئها في آنية الورد عشرين سنةً، فلربما أحتاجها إذا تأخرتِ في النومِ يوماً وأنا في الثالثة والستين!
…
أريد الكثير...
أن أفهم كيف تعثرتُ بك في أرضٍ عاديةٍ وبسيطةٍ، وأنا المؤمن جيداً بأن دأب الآلهة القديمة أن لا تكون بالمتناول!
وأن تفهمي أنه كلما طلّ يومٌ شهقتُ هلعاً على ذلك الحيوان الصغير الذي أفلتّـهُ في براريكِ: ق ل ب ي!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد