لا أعرف إذا كانت الأمم الأخرى تنتج من الدراما التلفزيونية حجم ما تنتج السوق العربية، وتحديداً في رمضان، .. وإن كان الأمر كذلك؛ فهل ثمة سوق استهلاكية في العالم، مثل سوق التلفزيون العربي تروج كل هذا الغثاء؟!
لم اتابع في هذا الشهر سوى عملين هما "عمر" و"الولادة من الخاصرة"، ورأيتُ حلقات من "الخواجة عبد القادر" و"باب الخلق" و"فرقة ناجي عطا الله"، وهذا الذي يستطيعه المشاهد بالكاد؛ ان يتابع ساعتين أو ثلاث ساعات درامية يومياً، فيما الذي يعرض على الشاشات أكثر من 90 ساعة درامية يومياً!
وخرجتُ من متابعتي القليلة، بملاحظات بسيطة، أولها، هذه المساحة الكبيرة التي أفردت للعنف في مسلسل "عمر"، وغياب الحوار تقريبا خارج هذه النقطة، فالقوم إما داخلون في حرب أو خارجون منها، يخططون لحرب أو انهم يتدبرون النجاة منها! وهكذا فالمتابع لمسلسل "عمر" يخرج بانطباع ان الاسلام انتشر بالقوة أكثر مما انتشر بالحُجّة، وانه فُرض على الناس بالسيف، والكثرة دخلت فيه لمصلحةٍ أو تجارةٍ أو خلاصٍ من الرقِّ أو -في آخر الامر- قفزاً من سفينة قريش الغارقة!
ومن جهته ما يزال "عادل إمام" يقدم أدواره كلها، في الخمسة عشر عاماً الاخيرة، بنفس الشكل والأداء والكلمات والملابس وحركة الوجه والجسد، أيا كان الموضوع أو السيناريو، ودائماً لديه شاغر في العمل لامرأة جميلة مكشوفة الساقين يستعرض من خلالها شبابه الذي لا يُصدّق أنه انقضى!
كما لم ينتبه هنا ان مسلسله في رمضان لا يحتمل ما احتمل فيلم "التجربة الدنماركية" من عُري وتحرشات، أو نسي بعد هذا الغياب الطويل أن التلفزيون البيتي غير السينما،.. لكن الأكثر استفزازا في العمل هو كيف صارت عملية سرقة بنك في "اسرائيل" عملاً وطنياً واستشهادياً يلقى كل هذا الدعم والتسهيلات من المقاومة والأهالي في غزة، ثم هذا الترحيب من "حزب الله"، هل جرى تسطيح فكرة المقاومة الى هذا الحدّ الكوميدي؟!
في الوقت ذاته، ما يزال النجوم الحقيقيون على حالهم، يصنعون دراما ثمينة وحقيقية، دون الرضوخ لشروط السوق، يحيى الفخراني وصلاح السعدني ومحمود عبدالعزيز، وعابد فهد ومحمد حداقي وقصي خولي، يقدمون أعمالاً تليق بأسمائهم، بسيناريوهات مهمة، وكتابة غنية من حيث الفكرة والحوار والرسائل التي تحملها للمشاهد، دون ابتذال أو تسطيح. فيما تقدمت الدراما الخليجية، والكويتية تحديداً، هذا العام، لتستحق مكانة مهمة الى جانب الدراما السورية والمصرية، ولتقدم الى جانب نجومها التقليديين الكبار مجموعة من النجوم الشباب المبدعين، كما في مسلسل "كنة الشام" مثلاً.
وكالعادة، في كل رمضان، تتقدم بعض الأعمال لتلفت الانتباه لشدة سطحيتها، وتعاملها مع المشاهد كشخص غير سويّ، وتدفعه لأن يتحسس عقله، مثل العملين الكويتي "واي فاي" والمصري "الباب في الباب"، اللذين يشعر من يشاهدهما بالصدفة بالخجل ان يضيع وقته ولو لدقائق معهما، وينتابه الفضول أن يسأل: بماذا يشعر العاملون في هكذا مسلسلات؟! وكيف يقابلون أطفالهم وأقاربهم وأصدقاءهم، وهل يخرجون الى التصوير بثقة وفخر؟! والغريب ان هذه الأعمال لها كُتّاب ومخرجون ومديرو تصوير وديكور ومكياج وفنيّون .. كباقي الأعمال الفنيّة!!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد