لا أستطيع أن أخفي إعجابي بهذا الرجل الأسود ابن الطبقة الوسطى، الذي استطاع أن يصبح في الأربعين من عمره حاكم أميركا، أي حاكم العالم، والرجل الذي يأخذ مفاتيح الأرض بيده حين ينام!
وبعيداً عن المسطرة التقليدية التي نستخدمها دائماً لمحاكمة أي رئيس وهي موقفه منا ومن اسرائيل، ولو قاربنا الأمر من ناحية انسانية فإنني أجرؤ على اعلان اعجابي بهذا الرجل الذي يشبهنا طبقيا وانسانيا؛ حيث هو ابن الأقليات المبتلاة بالإقصاء والتهميش، وابن عائلة فقيرة، استطاع أن يصل الى اعلى منصب في الأرض بعصامية وكدّ، دون أن يتخلى ولو شكلاً عن سنتيمتر واحد من جذوره الملونة أو يبتعد عن طبقته، وظل وفيّاً للكيمياء التي جبلته في مكان آخر.
هنا أعود للمسطرة؛ حيث بقيتُ أياماً وانا أقلّبُ عبارة أعجبتني لصديقي الصحفي صالح مشارقة يقول فيها "صحيح ان اوباما أسود ثقافياً مثلنا، ولكنه يحكم كرجل أبيض"!
لكنني في المقابل أتساءل: أليس من حق أوباما ان يكون أميركياً مخلصاً دون ان يخجل أو يداري وجهه منّا نحن العرب؟!
وهل سنظل نحمل مسطرتنا العتيدة لمحاكمة العالم على أساس موقفه منّا؛ ونطالبه بما لم نفعله نحن لأنفسنا!
لماذا على اوباما ان يكون عربيا شهماً اكثر من العرب، ولماذا نُعلق عليه آمالنا ونكلفه بتحقيق أحلامنا، ولماذا نطالبه اخلاقياً بالانحياز لنا في الوقت الذي لا ننحاز نحن لنا!
الشرق الأوسط ينقسم لكتلتين: واحدة تشكلها دولة احتلال؛ ولكنها في داخلها دولة قوية ويحكمها نظام قانون ومؤسسات ونزاهة نادرة، وتسعى للتفوق العلمي والتكنولوجي والاعلاء من قيمة الفرد. وكتلة اخرى يشكلها العرب وهي منخورة اخلاقيا واجتماعياً ومتحللة ومهترئة ولا يحكمها أي قانون؛ فلماذا وبأي جرأة نطالب الدولة الأكبر في العالم بالانحياز لنا؟
نحن لا ننتبه أن خطابنا الى العالم محشو بالعواطف السقيمة والساذجة عن المقدسات والأقصى والوطن وأحبابنا خلف القضبان! ونعتقد ان العالم مطالب برومانسية مشابهة تجاهنا!
نطالب الغرب بالتعامل معنا كمجاميع مقدسة، لها حصانة الشرق واديانه وأساطيره واخلاقه، فيما نحن في المقابل تمت تربيتنا على أن الآخر بلا أي قيم، وان تلك المجتمعات لا تصنع ولا تُصدّر سوى الرذيلة، وأنها مفككة وآيلة لانتقام الله منها، حتى إننا نشأنا على فكرة ان اميركا مثلاً معسكر، وليست مجتمعا انسانياً فيه امهات وخالات وعلاقات انسانية وبيوت وفقراء وعائلة تنتظر الراتب وعيد ميلاد الأب وتصلح السقف من اجل الشتاء؛ استطعنا شيطنة الآخر لأننا فشلنا في كسبه لجانبنا.
الفشل الذي سببه في البداية أننا ضحية مشوهة؛ لم تستطع تقديم مرافعتها على نحو مقنع!
والعالم بدوره، العالم هناك، خارج العشوائيات العربية، لا يحاكم الناس وفق موقفها من قضيتنا؛ حيث بإمكان اوباما ان يكون شخصا جيدا ورئيسا نزيهاً دون ان يكون شغوفاً بالعرب أو يهجس بغزة، ومن حق أي رئيس في العالم، العالم الذي هناك، أن يترشح ببرنامج انتخابي يتجاهلنا تماماً.. ما دمنا نحن لسنا على برامج رؤسائنا بالأصل!
لماذا مثلاً نكون نحن المعضلة الرئيسية على برنامج اوباما في حين يتجاهل ملايين الأميركيين الذين لا علاقة لهم بالسياسة ولم يسمعوا بالشرق الاوسط، لماذا باختصار نعتقد أننا الورقة الاهم في العالم؟ وأن على الناس كلهم نيل رضانا؟ وان على اوباما تفقد مزاجنا كل صباح لينال التوفيق؛ وإلّا فإنه سيكون متهماً كالعادة بأنه عميل الاميركان!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد