بدهي في صناعة الإعلان أنها تقوم على إقناعك بسلعة جديدة عن طريق شرح وظائفها، او فوائدها، ولأن السلع غالباً ما تتشابه يصير التنافس، أو مهمّة الإعلان؛ توضيح الفروقات أو الميزات الإضافية التي تتنافس فيها الشركات.
لكن صناعة الإعلان المزدهرة على بعض الفضائيات تتمادى في استغفال المستهلك الى حد يشعرك بالغيظ، ويدفعك لكتم الصوت فوراً أو حتى الهرب من أمام الشاشة، حين تتعامل مع المستهلك كشخص غير سويّ!
هل ثمة جهاز كمبيوتر محمول في العالم ليس مهيئاً للاتصال بالانترنت؟ مذيع الاعلان بصوته الفجّ يقدم هذه الوظيفة كميزة استثنائية؛ بل يقول حرفياً (والمفاجأة انه المحمول عندنا مجهز للاتصال بالانترنت)، بعده مباشرة تنتقل لإعلان يظهر فيه شاب أنيق يقول وهو يتنهد (طول عمري نفسي بجزّامة شيك)، والجزّامة هي خزانة الاحذية التي سرعان ما تظهر بجانبها ربة البيت التي تقول باعتزاز واضح (الجزامة دي هي اللّي شرفتني بين اهلي واصحابي)!.
وتتوالى الاعلانات التي تستهين بالمشاهد، مثل عالمة الفلك التي تستقبل اتصالاتكم، والطبيب الذي يستقبل، والشيخ الذي يستقبل، ومصلّح الغسالات الذي يستقبل، وتشعر بأن عصابةً شريرة من الشركات تخطط لإفلاسك ولكن ليس هذا المهم بقدر ما تشعر قبل ذلك بأن هذه العصابة تتعامل معك باستغباء كامل، وتفترض فيك سذاجة مطبقة!
فأنا مثلاً اتذكر ان "مفرمة اللحمة اليدوية"، المصنوعة من الحديد المسكوب، موجودة حتى في بيوت الفقراء منذ سبعينيات القرن الماضي، فكيف يقدمها لي مذيع الإعلان في 2013 بأنها "المفرمة العجيبة"!
وكل ذلك تستطيع أن تتحمله، وان تبتلعه على مضض، الاّ ذلك الرجل المتكرش الذي يضع باروكة شعر، ويتهدل جلد رقبته بشكل منفر، ويصرخ فيك من داخل الشاشة (انت. ايوة انت . لو عايز تخسّ. او عندك مشكلة بتساقط الشعر. او بتعاني من ترهل الجسم. عندنا الحل)!
كل هذا الاستهتار بعقل المشاهد هو الذي جعل الاعلان الفقرة الأقل مصداقية على الشاشة، فاعتاد المشاهدون القيام بسرعة لقضاء حوائجهم السريعة خلالها، مثل الذهاب للحمّام أو اعداد القهوة، أو اجراء اتصال هاتفي، والكل يفعل ذلك، والكل متواطئ على هذه العادة، بمن فيهم صاحب الشركة المعلنة، والكل يعرف ان الشركات تضع بنداً في موازنتها للاعلان دون ان يكون ذلك محط اهتمام فعلي، او خاضع لصياغة مهذبة ومعقولة تخاطب المشاهد باحترام!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد