وهو سؤال تجريدي، يبدأ من محاكمة سندريلا أميرة الليل والسحر، ليذهب لمحاكمة البطل والفدائي والشاعر، ليضع الأسطورة على الأرض ويحاول أنسنتها. 
إذاً؛ هل كانت سندريلا ستكون بالضرورة زوجة صالحةً وأمّاً رؤوماً وتجيد طبخ الباميا وتربية الأولاد؟ أقصد هل يصلح الحلم دائماً لأن يصير واقعاً ويتحقق؟ ام ان الحلم علبة سحرية محكمة الإغلاق ومليئة بالهواء او الهباء الملوَّن! 
مثل أن يجرب أحدنا ان يمسك قوس قزح بيده! 
أتذكَّرُ لعبة الكاميرا البلاستيكية الصغيرة التي كانت تذهلنا في طفولتنا، والتي نضع عيناً واحدة على عدستها الصغيرة فنرى بداخلها صوراً ملونة وساطعة، وحين نكسرها بفضولنا نكتشف بداخلها "سلايدات" صغيرة معتمة لا تعود تصلحُ لشيء! 
هكذا يتفحَّم الحلمُ مثل قطعةٍ بلاستيكيةٍ محروقة إن وضعته على الطاولة وبدأت تقلِّبُ فيه لترى أين يشبهُ الحقيقة وأين يختلفُ عنها! 
وهكذا، أيضاً، ثمة أشياء وأشخاص تصلحُ ويصلحون فقط مادةً باهرةً للأحلام، ولو كان عنترة تزوج بعبلة، أو أن روميو تزوج جولييت، لما كانت القصة أصلاً، ولما سمع بهما أحد، حالهما كحال كل جيرانهم المتزوجين الذين لم تنقل الرواية الشعبية أو الأساطير كلمة واحدةً بخصوصهم! 
راودتني الفكرة وأنا اتأمل حالة من البطولة الشعبية لرجل يُعوِّلُ عليه شعبه كثيراً هذه الأيام، حتى بدا كما لو انه المُخلِّصُ والمنقذ، فهو الآن مناط أحلام الملايين من الفقير الى الراسب في الثانوية العامة الى التاجر الخاسر الى الفتى القومي الذي يحلم بتوحيد الامَّة، الى العاشق الذي يحلم بوظيفة ليؤسس عائلة، الى سائق التاكسي الذي يحلم بامتلاكه بدل العمل عليه، الى المرأة التي تحلم بحقوقها المدنية كاملةً، كل هؤلاء يجلسون مكتوفي الأيدي ويعلِّقون احلامهم على باب بيت رجل واحد! 
وأنا أشفقُ عليه، إذ مهما بلغت قوة هذا الرجل، ومهما امتلك من عشرات العصي السحرية، فهو لن يخلق شعباً جديداً بأقدارٍ جديدة! 
وأخشى أنه بمجرد أن يجلس أمامهم كموظف مسؤول عن تحقيق الاحلام سيخسر الكثير الكثير مهما بلغت عظمة انجازاته. لأنَّ الواقع لا يمكن له بحالٍ أن يكون بوسامة الحلم! 
ولأنَّ الأقدار تحتاج الى أكثر من الحلم لزحزحتها من العتمة الى بعض الضوء. أخشى على الذين يحلمون، لأن سندريلا قد تكون امرأةً في غاية السحر والفتنة، لكنها في نهاية الأمر ستصير زوجةً عاديةً وقد تخطئ في طبخ الأرز أو تحرق القميص تحت المكواة،.. وقد يربكها كل هذا الشِعر المكوَّم في البيت، وكل هذه القصائد في مديحها، فلا تقوى على أن تكون حتى امرأةً عادية لأنها ستشغلُ بدورها في التأمل.. في صورتها!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد