جان بابتيست كولبير
جان باتيست كولبير Jean-Baptiste Colbert وزير مالية من فرنسا أيام الملك لويس الرابع عشر وأحد أعلام التجاريين (المركانتيليين)، ويُعد مؤسس المذهب التجاري الفرنسي. لم يكن عالم اقتصاد ولكنه كان اقتصادياً عملياً بامتياز.
ولد جان باتيست كولبير في ريمس - فرنسا في التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس وتوفي في السادس من أيلول/سبتمبر في مدينة باريس.
لم يخلِّف كولبير وراءه مؤلفات وأبحاثاً علمية ولكنه ترك لفرنسا ميراثاً من السياسات الاقتصادية التي أسهمت في تحويل فرنسا إلى قوة اقتصادية شبه مهيمنة في أوربا، ومن ثم إحدى أكبر امبراطوريتين في العالم.
نشأ كولبير في أسرة تجارية وشغل كثيراً من الوظائف الإدارية؛ بفضل دعم ابن عمه الذي يحمل الإسم ذاته. تم تعيينه في سنة 1640 في وظيفة في وزارة الحرب حيث ارتقى بسرعة كبيرة. وفي سنة 1642 سماه وزير الدفاع مفوضاً أولاً في وزارة الدفاع، ثم تقلد مهام أمين سنة الوزارة.
وفي سنة 1649 أصبح مستشاراً للحكومة، ومن ثم كانت له علاقة وطيدة مع الكاردينال مازارين الذي هيمن على السياسة الفرنسية في زمنه. سماه مازارين مساعداً شخصياً له وساعده على شراء ممتلكات أدرت عليه ثروة كبيرة مكَّنته من الحصول على مكانة مرموقة أصبح معها مركيز مقاطعة سينيالي Seignelay.
قرَّبه الكاردينال مازارين من الملك لويس الرابع عشر الذي أُعجب ببراعته وإخلاصه؛ فولاه أعماله الخاصة واستعان به في إدارة المملكة.
عمل كولبير مدة طويلة في إعادة بناء الاقتصاد الفرنسي وركز اهتمامه بداية على معالجة الإدارة المالية التي كان يرأسها نيكولا فوكيه.
وكان كولبير يوغر صدر الملك على فوكيه حتى غضب عليه وأحاله إلى المحاكمة؛ فأُتيحت الفرصة لكولبير الذي أعاد تنظيم الإدارة المالية وحولها من مراقب سنة إلى مجلس للمالية يشغل فيه كولبير موقع العضو المهيمن.
وفي سنة 1665 أصبح كولبير المراقب السنة للمالية في فرنسا (بمنزلة وزير مالية) مما فسح المجال أمامه ليؤدي دوراً مهماً في إعادة تنظيم الاقتصاد الفرنسي.
كان كولبير بحق ممثلاً للمذهب التجاري المركانتيلي[ر] في فرنسا، وكان يعتقِد - كباقي أنصار المذهب التجاري- أن ثروة الدولة تقاس بما يوجد في خزائنها من الذهب والفضة؛ ولهذا على الإدارة الاقتصادية أن تعمل ما بوسعها لتحقيق ميزان تجاري رابح في علاقاتها الخارجية للمساعدة على إدخال الذهب[ر] والفضة[ر].
وبالرغم من أن المذهب التجاري عُرِف في أوربا وفي فرنسا قبل كولبير وبعده، إلا أن أصالة أُطروحات كولبير تمثلت في اتجاهين: أولاً في الوقت الذي كان ينطلق أنصار المذهب من منظور محاسبي فظ - بمعنى النظرة إلى المستوردين نظرة احتقار وازدراء- فإن كولبير قد حوَّل هذه النظرة إلى إجراءات عملية جدية، وثانياً في أن كولبير كان رجل الدولة الأول الذي عمل بإصرار وبفعالية لتحقيق كل النتائج المترتبة على مبادىء المذهب التجاري.
فلم يكتفِ بالتركيز على تنظيم التجارة وإنما عمل على كل جبهات الاقتصاد دفعة واحدة بحيث عُدَّت الكولبرانية Colbertisme (نسبة إلى كولبير) سياسة متعددة الجبهات: تجارية وصناعية وزراعية، بحيث تشمل هذه السياسات كل الفروع الاقتصادية الرئيسة التي تؤثر في وضع الميزان التجاري.
في السياسة التجارية عمل على مراقبة الواردات للتقليص منها بوضع قيود ورسوم كبيرة على الواردات، وعمل على تشجيع التصدير بالسعي إلى غزو العالم تجارياً من خلال تشجيع الشركات الفرنسية على المنافسة في السوق الدولية.
كما طوَّر الأسطول الفرنسي لتأهيله لنقل الصادرات إلى العالم وجلب الواردات الضرورية.
وفي مجال الصناعة فقد رفع معدل الرسوم الجمركية[ر] لتوفير الحماية للصناعة كما وضع أنظمة ولوائح للصناعات تضمن جودتها وقدرتها التنافسية. إضافة إلى ذلك فقد وضع أنظمة للعمل بما يضمن الانضباط العمالي من جهة ويرفع من إنتاجية العمل من جهة ثانية.
وفي مجال الزراعة انصب اهتمام كولبير على توفير المواد الغذائية، وخاصة القمح، بأسعار معتدلة لمواجهة مسألتين: المسألة الأولى هي القضاء على المجاعة التي عرفتها فرنسا في السنتين الأوليين لعهده، ومن أجل الحفاظ على سمعة الاقتصاد الفرنسي ومتانته والثانية هي المحافظة على أسعار المواد الغذائية متدنية من أجل إبقاء تكاليف الحياة رخيصة؛ وبالتالي بقاء الأجور متدنية، مما يوفر تنافسية أكبر للإنتاج الفرنسي.
لقد سبق كولبير كثيراً من الاقتصاديين في زمنه وفي أزمان لاحقة في أن الميزان التجاري[ر] يدلّ على الوضع الاقتصادي السنة في البلد. وهكذا يمكن عدُّه من أنصار المذهب التجاري الذين يتمتعون بسعة الأفق والقدرة على التحليل الاقتصادي الكلي.
المراجع
arab-ency.com.sy
التصانيف
اقتصاديون فرنسيون اقتصاديون شخصيات العلوم الاجتماعية