العشاء الأخير (لوحة)

تعد لوحة «العشاء الأخير»، للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، واحدة من ابرز الأعمال الفنية على مر التاريخ، وقد رسمت اللوحة ما بين سنتي 1495 و1498، وذلك لصالح دير الدومينيكان سانتا ماريا ديلي غراتسي في ميلانو.

توضح اللوحة مشهدًا دراميًا ذكر في الأناجيل الأربعة بما في ذلك إنجيل متى، إذ جمع السيد المسيح تلاميذه، مُعلنًا عبر وجبته الأخيرة أن أحد الرسل سوف يخونه، في إشارة إلى يهوذا، مُضيفًا أنه يعرف ما سيجيء من إلقاء القبض عليه وإعدامه، ونستطيع أن نرى من خلال تعابير الوجه والإيماءات كيف تفاعل كل واحد من تلاميذ المسيح الاثنى عشر مع الخبر. وعلى الرغمِ من عبقرية المشهد الذي صوره دافنشي خلال تلك الفترة الهامة من حياة المسيح، إلا أن تلك اللوحة التي أبهرت العالم قد احتوت على عشرات الحقائق والأسرار، فكت طلاسمها عبر الزمن، وسنذكر في السطور التالية أهم ما جاء فيها.

وجه المسيح ووجه يهوذا في لوحة دافنشي

هناك قصة غريبة تحكي عن لوحة «العشاء الأخير» لا أحد يعلم مدى صحتها؛ إذ يُقال أن الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي قد رسم وجوه الرسل الاثنى عشر، ووجه المسيح عن طريق عارضين أحياء، قاموا بتمثيل الشخصيات التي وردت في اللوحة، وقد جرى اختيار الرجل الذي قام بدور المسيح أولًا؛ فقام دافنشي باختيار هذا الرجل من بين مئات الشباب الذين عرضوا عليه، وكان لدى الفنان الإيطالي متطلبات خاصة لوجه الشخصية التي ستلعب دور المسيح في لوحته.أراد دافنشي لوجه الشخصية التي ستمثل المسيح أن يتسم بالبراءة والجمال وملامح قديس لا يعرف الخطيئة، وبعد أسابيع من البحث الشاق، وجد ضالته في شاب يبلغ من العمر 19 عامًا، ولمدة ستة أشهر عمل هذا الشاب نموذجًا حيًّا لشخصية المسيح التي ظهرت في جدارية «العشاء الأخير» وجميع اللوحات التي نُسخت منها فيما بعد، إلا أن القصة الحقيقية تبدأ مع شخصية يهوذا، إذ وعلى مدار ستة أعوام انتهى الفنان من شخصيات الرسل واحدًا تلو الآخر حتى وصل إلى اختيار الشخص الذي سيؤدي دور يهوذا، من باع المسيح بـ30 قطعة فضية، وتسببت خيانته في صلب المسيح بالنهاية.

حيث كان وجه يهوذا هو مهمة دافنشي الأخيرة، لإتمام تحفته، ولهذا أراد رجلًا ذا وجه قاسي، نحتت ملامحه وتجاعيده من الغش والنفاق، وفي دمه ولدت الجريمة، وجه من شأنه أن يعبر عن شخصية قد تخون أفضل صديق لها، وبعد العديد من التجارب المحبطة في البحث عن صاحب هذا الوجه، أرسل أحدهم إلى دافنشي يخبره بأن ما يبحث عنه موجود في زنزانة بروما، رجل حكم عليه بالموت نتيجة حياة كاملة من الجريمة والقتل، حينها قام الفنان الإيطالي برحلة إلى مدينة روما، واستطاع أن يُخرج الرجل من ظلام زنزانته إلى ضوء الشمس، وهنا وجد دافنشي أمامه رجلًا ذا نفس مظلمة، داكن اللون وشعره طويل أشعث ملامسًا وجهه، وقد رأى فيه نوعًا خالصًا من الشر كان يحتاجه لإتمام لوحته.

كما أرسل دافنشي يطلب إذنًا خاصًا من الملك لنقل هذا السجين من روما إلى ميلانو، ولعدة أشهر كان هذا الرجل الذي ينتظر الموت يمثل شخصية يهوذا، التي ظهرت بالنهاية على جدارية دافنشي واللوحات التي نُسخت عنها. بعدما أنهى دافنشي لوحته، استدعى الحرس ليأخذوا السجين بعيدًا إلى حتفه، وهنا هلع السجين وخرج عن سيطرتهم عائدًا إلى دافنشي قائلًا له: «ألا تعرف من أنا؟»، قال لها دافنشي: «لم أرك في حياتي حتى خرجت من زنزانة في روما»، توسل إليه الرجل باكيًا أن ينظر إليه مرةً أخرى، ويحاول التعرف إليه، وعندما رفض دافنشي، قال له الرجل: «أنا الرجل الذي رسمته منذ سبع سنوات، وقد جسد شخصية المسيح».

هل كانت مريم المجدلية حاضرة في «العشاء الأخير»؟

كانت لوحة «العشاء الأخير» واحدة من روائع زمن النهضة، إلا أنها مثل العديد من أعمال الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي قد اتهمت بالغموض، ونمت حولها أساطير مثيرة للجدل. كان أولها هو التكهن بأن التلميذ المحبوب الجالس على يسار المسيح، ليس الرسول يوحنا، بل مريم المجدلية؛ فهل كانت المجدلية حاضرة في عشاء المسيح الأخير؟في اللوحة التي تجسد ثواني معدودة قد أعقبت إعلان المسيح أن أحد الرسل سوف يخونه قبل شروق الشمس، نستطيع أن نرى بأعيننا تفاعل تلاميذه مع الخبر، في مجموعات صغيرة من ثلاثة أشخاص قسمت تلاميذه الاثنى عشر، وقد تباينت ردات فعلهم ما بين الصدمة والرعب والغضب. ضمت المجموعة الأولى برثلماوس وأندراوس ويعقوب بن زبدي، في أقصى يسار اللوحة، وقد طلى الرعب والذعر ملامحهم، يليهم المجموعة الثانية وتضم يهوذا وبيتر وجون، وقد رسم دافنشي وجه يهوذا في الظل وفي حوزته كيس صغير، ربما يحتوي على 30 قطعة ذهبية قد تلقاها للتو ثمنًا لخيانته، أما جون ذو «الوجه الأنثوي» فقد كان على وشك الإغماء. والمسيح يجلس في المنتصف، وعلى يمينه مجموعتان أخريين يبدو عليهما الذهول والغضب. 

في الجانب الأيسر من اللوحة، قعد تلميذ المسيح المحبوب بجانب ذراعه الأيمن، وقد اعتقد مؤرخو الفن على مر العصور، أنه الرسول يوحنا، إلا أن هذا الشخص الجالس بجانب ذراعه الأيمن لا يسهل التعرف على نوعه بسهولة؛ إذ يبدو شكله «أنثويًا» بعض الشيء، ولا يمكن أن نربطه بصريًا بالذكورة، مما يجعل البعض يجزم أن هذا الشخص لا يمكن أن يكون يوحنا، وأنه مريم المجدلية، كما فعل الروائي دان براون.

كما خضع هذا الرأي للجدل بين مؤرخي الفن على مر التاريخ، يقول معارضوه أنه على الرغم من أن مريم المجدلية كانت حاضرة في هذا الحدث، إلا أنه لم يرد ذكرها على طاولة الطعام في الأناجيل الأربعة، بل كان دورها داعمًا فقط، في حين أن يوحنا قد ذكر على الطاولة في الكتاب المقدس، كما أن روما الكاثوليكية في أواخر القرن الخامس عشر كانت تعاني من التشدد الديني ولم تصل بعد إلى فترة التنوير، ولم يكن دافنشي ليغامر برسم مريم المجدلية في لوحته، وقد عرف عنه أنه يميل إلى رسم الرجال بطريقةٍ أنثوية؛ إذ كانت هذه الطريقة شائعة في عصر النهضة.

أما الرأي الآخر فيدل على أننا يجب أن ننظر إلى العشاء الأخير بنظرةٍ جديدة، وبعيدًا عن السياقات الفنية التاريخية المألوفة، خاصةً مع تفجر المفاجآت بشأن اللوحة الواحدة تلو الأخرى، ويشير أتباع هذا الرأي إلى أن ذراع المسيح كان مائلًا ناحية اليمين، ربما لشيء يتعلق بالشخصية الجالسة على يمينه، كما أن دافنشي على الرغم من أنه لجأ إلى إبراز الجمال الذكوري في لوحاته السابقة، إلى أن هذا الشخص الجالس بجانبه بالتأكيد أنثى، وقد ارتدت ملابس خاصة لا تشبه في شيء ملابس الرجال، وقد تقاطعت ملامح الوجه مع لوحة الموناليزا، التي أنهاها دافنشي بعد ذلك بخمس سنوات.يؤكد أتباع هذا الرأي أن هذه الشخصية كانت الوحيدة التي ارتدت ملابس تعكس ملابس المسيح، فالرداء الأزرق والعباءة الحمراء، تعكس رداء المسيح الأحمر وعباءته الزرقاء.

يتحدث الكاتب داتو جومارتيلي: «يبدو الأمر كما لو أن دافنشي أراد أن يعبر عن أفكاره التي لن يستطع أن يشاركها مع جمهورٍ أوسع في ذلك الوقت»؛ إذ رسم دافنشي شخصية المسيح ومريم المجدلية، بحسب جومارتيلي، وكأنهما غارقين في أفكارهما الخاصة، منتظرين مصائرهما التي على وشك أن تحدد.


المراجع

sasapost.com

التصانيف

ليوناردو دا فينشي   الفنون   لوحات فنية