الأيقونة icône صورة دينية تستخدم في الخِدمة الروحية بحسب طقس الكنيسة المسيحية الأرثوذكسية. وأما الأيقنة iconographie فهي علم الصورة من حيث التوثيق أو الوصف أو الرمز، وتفسير طريقة الأداء وعلاقتها بالأصل المنقول عنه.
الأيقونة
كلمة مصدرها يوناني وتعني «صورة». ووردت الكلمة في الترجمة السبعينية (الترجمة اليونانية للعهد القديم) بمعنى: الرجل المخلوق على صورة الرب، وبمعنى التمثال أيضاً. أما في العهد الجديد فتعني صورة الامبراطور الروماني على المسكوكات، وتعني أيضاً صورة الوحش في «سفر الرؤيا»، كما تعني أن المسيح صورة الإله اللامرئي. ولما تخطت الكنيسة المسيحية الأولى، في القرن الرابع الميلادي، مشكلة الصراع بين تحريم الصورة أو السماح بها وتبنت التصوير، أُطلقت تسمية «أيقونة» على الصورة الدينية تعبيراً في التصوير على لوح خشبي أو التصوير الجداري والفسيفساء والنحت الخفيف البروز وتزيين الكتب المخطوطة وعلى الأدوات الكنسية.
واستعملت الأيقونات منذ أواخر العصور القديمة في المحيط اليوناني الروماني، وسيلة تعليمية للإعلان عن «القصد الإلهي» في الفداء والخلاص والرجاء، واستمر ذلك في الكنيسة الشرقية إلى اليوم.
وقد حصل صراع فكري حول تكريم الصورة وتحريمها في التاريخ البيزنطي بين 726م و843م، وأخذ شكل تحدٍّ بين السلطة الامبراطورية والسلطة الكنسية، مما أدى إلى نشوب صراع دموي، وإلى إقصاء عدد من الرؤساء الروحيين وملاحقتهم مع من تبعهم من اللاهوتيين والرهبان، وسميت تلك الحقبة «حرب الأيقونات» أو «تحطيم الأيقونات» Iconoclasme، وقد بدأت بأمر من الامبراطور البيزنطي ليون الثالث الأيصوري بإزاحة كل أيقونة وكل ما هو تصوير تشخيصي من الكنائس والمباني العامة، بحجة أن تمثيل المسيح والقديسين ضربٌ من الوثنية. وكانت قناعات بعض الفئات المتشددة من اليهود والمسيحيين والمسلمين، وراء هذا الصراع.
ومما يجدر ذكره هنا أن القديس يوحنا الدمشقي (675- 749م) وهو المنصور بن سرجون الذي عمل وأبوه في البلاط الأموي، ثم ترهّب في دير مار سابا قرب القدس، قد كتب دفوعاً بثلاث رسائل حاجّ فيها محطمي الأيقونات موضحاً الفارق بين العبادة الواجبة للإله المطلق وحده وتكريم الأولياء والقديسين الذين تذكّر صورهم بهم. وقد أراد يوحنا أن يثبت أن عقيدة التجسد توجب التصوير، وأن الصورة الملموسة هي طريق الاتصال بالقدوس المطلق.
هدأت حدة العنف زمن الامبراطورة إيرينا سنة 787م، فدعت إلى عقد مجمع نيقيه الثاني برعاية البطريرك طاراسيوس، وانتهى المجمع بإقرار وجوب تكريم الأيقونة في شخص من تمثله. وما هي إلا مدة وجيزة حتى احتدم الصراع ثانية، فأتت الامبراطورة تيودورا والبطريرك نيسِفورس، ودعي المجمع إلى الانعقاد سنة 843م فصدّق قرار المجمع السابق، وبذلك وُضِع حد نهائي للصراع والملاحقة، وحصلت الكنيسة على استقلالية التعليم، كما حددت يوم الأحد الأول من الصوم الكبير تذكاراً سنوياً للحدث أطلقت عليه اسم «أحد الأرثوذكسية». ثم ارتأت الكنيسة أن تؤبد هذا النصر بأن عملت على زيادة ارتفاع الحاجز القائم بين صحن الكنيسة وصدرها وتزيينه بالأيقونات، وصار ذلك الحاجز مع مرور الزمن جداراً يدعى الفاصل الأيقوني (الأيقونسطاس Iconostase) تخترقه أبواب ثلاثة للولوج والرؤية.
إن مرحلة حرب الأيقونات أدت إلى تبني الكنيسة مبدأ التصوير القائم على الرمز، تأثراً بالفنون السورية والفارسية؛ وصارت الصورة المقدسة تتجاوز إسار الواقعية لتعبر عن الغبطة الروحية. ويفترض اللاهوتيون في الأيقونة السعي إلى إظهار البعد الصوفي التأملي، وأن تكون الصورة مرسومة بخطوط مقتضبة ومؤتلفة لتعبر عما هو قدسي في العين والقامة واليد، وملونة بألوان مضيئة وبلا ظلال.
تنوع فن الأيقونة في زمن الامبراطورية البيزنطية تبعاً لفنون المناطق المختلفة والعراقة الحضارية لتلك المناطق. وكان لسورية وفلسطين ومصر وبلاد الرافدين دور رائد في ذلك، وخاصة في أواخر العصور القديمة وبداية العصر الوسيط. وقد حافظ هذا الفن على أصوله حيثما وجدت الكنيسة الشرقية، وازدهر في مدارس محلية متميزة، فاشتهر منها السريانية والقبطية والحبشية والأرمنية، وفي اليونان مدرسة ميسترة ومدرسة كريت، وفي روسية مدرسة نوفْغورَد ومدرسة موسكو. وكان في بلاد الصرب والبلقان وبلغارية ورومانية مُحتَرَفات راقية لأنواع هذا الفن. وتحفظ أديرة تلك البلاد وكنائسها روائع منه، وبرزت أسماء وأيد ماهرة وورشات رائدة فيه.
وفي سورية نشط هذا الفن منذ القرن الثالث الميلادي، وما يزال يوجد من تلك الحقبة أثرٌ منه في دورا أوروبّس (صالحية الفرات)، كما نشط في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر الميلادية، وتدل على ذلك الجداريات المكتشفة في عدد من القلاع وفي حمص وقارَة ودير مار موسى الحبشي قرب النبك. كما نشط في مواقع من لبنان مثل البترون وقاديشا وغيرهما. وقد عاد هذا الفن إلى الظهور في النصف الثاني من القرن السابع عشر في حلب فنشأت فيها مدرسة كان رائدها يوسف المصور الحلبي واستمرت طوال القرن الثامن عشر وتوالى عليها، من بعد يوسف، ابنه نعمة الله وحفيده حنانيا وابن حفيده جرجس، وقد عاصر هؤلاء كل من حنا القدسي وميخائيل الدمشقي وغيرهما. وفي القرن التاسع عشر نشط فن الأيقنة في كل من اللاذقية وحمص ودمشق، وكان المصورون المقدسيون يجولون في سورية ولبنان لتزيين الكنائس، وغلب على أيقونات تلك الحقبة الطابع الشعبي الزخرفي. ويلاحظ تجدد النشاط الفني في مجال الأيقونات في سورية منذ خمسينات القرن العشرين.
الأيقنة
علم يتناول الصورة المرئية من حيث هي تمثيل مُشخّص أو تشكيل مُشَخّص. ويمكن لهذا العلم أن ينسحب على صورة شخصية تاريخية أو أسطورية، أو على صورة فكرة ما أو كيان معين، أو صورة تاريخية لعصر من العصور أو حضارة معينة أو تتعلق بديانة من الديانات، أو بشكل من أشكال الفن التشكيلي.
والأيقنة علم يتعلق بالتشكيل المشخَّص حصراً، وعليه فالعناصر الزخرفية لا تدخل في دائرة شموله بل تدخل في علمٍ خاص يعنى بالقواعد الزخرفية grammaire décorative.
ومن الأمثلة على المجموعات التي يشملها علم الأيقنة مجموعة الصور الشخصية من عمل المصور الإيطالي مازوتشي Mazzochi سنة 1517، ومجموعة وضعها الفلمنكي فان دايك (1599- 1641) Van Dyck، وهي مؤلفة من مئة رسم محفور ومطبوع تمثل هيئات معاصرين لذلك الفنان، ومجموعة رسوم تحت اسم Iconografia للإيطالي كانيني G.A.Canini طُبعت في رومة سنة 1669. كذلك يمكن أن تذكر هنا المجموعة التي نشرها الفرنسي دي كيلوس P.de Caylus في باريس ما بين 1752 و1767 بعنوان «مجموعة الآثار الفرعونية والإتروسكية واليونانية والرومانية».
وقد ظهر مصطلح «الأيقنة» بمعنى أوسع في موسوعة الكاتب الفرنسي فوروتيير (1619- 1688) A.Furetiére وطبعت موسوعته بعد وفاته. وحَصَر ديدرون Didron استعمال مصطلح الأيقنة سنة 1843 للدلالة على الفن المسيحي Iconographie Chrétienne، وفيما بعد عمد إميل مال E.Mâle إلى استعمال المصطلح في مؤلفاته «الفنون الدينية في العصر الوسيط» التي أنجزت بين 1892 و1922، وكذلك فعل الروسي كونداكوف N.P.Kondakov في تأريخه للفن المسيحي في روسية في مؤلفات نشرت تباعاً منذ عام 1911. وقد استعمل المصطلح بهذا المفهوم، علماء ألمان وإيطاليون وسواهم في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وفي الوقت نفسه، وخارج الإطار الديني، أسهم علماء آخرون في استعمال المصطلح بمعناه العام مثل بيرنولّي J.J.Bernoulli في مؤلفيه بالألمانية «الأيقنة الرومانية» (نشر في شتوتغارت 1882- 1894) و«الأيقنة اليونانية» (نشر في مونيخ سنة 1901).
وتستعمل كلمة «الأيقنة» أو «علم الأيقنة» في الوقت الحاضر لتفسير الخصائص والرموز التي تتيح للفنان تصوير شخص ما أو فكرة معينة، أو يراد بها البحث عن أصل الشكل ومعناه في الإبداع الفني. والكلمة الفرنسية الدالة على هذا المعنى هي Iconologie وكثيراً ما يستعمل في مقابلها بالعربية «الأيقنة ـ شرح الرموز».
وقد عمل على تطوير المعنى الأخير لكلمة «أيقنة» وجعلها طريقة للبحث العالم إرفن بونوفسكي Ervin Ponofsky في بحوث نشرها في ألمانية بدءاً من سنة 1932.
وأما في الحاسوب فيستعمل مصطلح «الأيقونة» رمزاً مساعداً يدل على رسم صغير يظهر على الشاشة بخطوط مبسطة مشيراً إلى أمر يجب على مستعمل الحاسوب أن يقوم به.
فأيقونات الحاسوب ليست سوى مجموعة الرموز البصرية التي تسهل عمل مستخدم الحاسوب من أجل استرجاع نصوص أو صور من ذاكرة الحاسوب، فصورة كتاب ترمز إلى الرجوع إلى النص المكتوب، أما صورة الكرة الأرضية وفرشاة فترمز إلى شبكة الأنترنت. وما على المستفيد إلا النقر على مفتاح الفأرة للولوج إلى المعلومات التي يريد.
المراجع
الموسوعة العربية
التصانيف
العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية التربية والفنون الفنون