خَمِدَتْ لِفَضْلِ وِلادِكَ النّيرانُ، |
وانشَقّ من فَرَحٍ بكَ الإيوانُ |
وتزلزلَ النّادي، وأوجسَ خيفة ً |
مِن هَولِ رؤياهُ أنوشِروانُ |
فتأوّلَ الرؤيا سَطيحُ وبَشّرَتْ |
بظُهورِكَ الرّهبانُ والكُهّانُ |
وعليكَ إرميّا وشَعيا أثنَيا، |
وهُما وحِزقيلٌ لفَضلِكَ دانُوا |
بفضائلٍ شهدتْ بهنّ السحبُ والـ |
ـتوراة ُ والإنجيلُ والفرقانُ |
فوُضِعتَ للَّهِ المُهَيمِنِ ساجِداً، |
واستبشرتْ بظهورِكَ الأكوانُ |
متكملاً لم تنقطعْ لكَ سرة ٌ |
شَرفاً، ولم يُطلَقْ علَيكَ خِتانُ |
فرأتْ قصورُ الشّامِ آمنَة ً، وقد |
وَضَعَتكَ لا تَخفى لها أركانُ |
وأتتْ حليمة ُ وهي تنظرُ في ابنِها |
سِرّاً تَحارُ لوَصفِهِ الأذهانُ |
وغَدا ابنُ ذي يَزَنٍ ببَعثِكَ مُؤمِناً |
سِرّاً ليَشهَدَ جَدَّكَ الدّيّانُ |
شرحَ الإلهُ الصدرَ منكَ لأربعٍ، |
فرأى المَلائكَ حَولَكَ الإخوانُ |
وحبيتَ في خمسٍ بظلّ غمامة ٍ |
لكَ في الهواجرِ جرمُها صيوانُ |
ومَرَرتَ في سَبعٍ بدَيرٍ فانحَنَى |
منهُ الجدارُ، وأسلمَ المطرانُ |
وكَذاكَ في خَمسٍ وعشرينَ انثنى |
نَسطورُ منكَ، وقَلبُهُ مَلآنُ |
حتى كملتَ الأربعينَ، وأشرقتْ |
شمسُ النبوة ِ، وانجلى التبيانُ |
فرَمَتْ رجومُ النيراتِ رجيمَها، |
وتَساقطتْ من خَوفِكَ الأوثانُ |
والأرضُ فاحتْ بالسّلامِ عليكَ، والـ |
ـأشجارُ، والأحجارُ، والكثبانُ |
وأتَتْ مَفاتيحُ الكُنوزِ بأسرِها، |
فنهاكَ عنها الزهدُ والعرفانُ |
ونَظرتَ خلفَكَ كالإمامِ بخاتَمٍ |
أضحَى لدَيهِ الشكُّ، وهوَ عِيانُ |
وغدَتْ لكَ الأرضُ البسيطة ُ مَسجداً، |
فالكلُّ منها للصلاة ِ مكانُ |
ونُصِرْتَ بالرُّعبِ الشّديدِ على العِدى ، |
ولكَ المَلائكُ في الوَغَى أعوانُ |
وسعَى إليكَ فتى سلامَ مسلِّماً |
طَوعاً، وجاءَ مُسَلِّماً سَلمانُ |
وغدتْ تكلمُكَ الأباعرُ والظبا، |
والضّبُّ والثّعبانُ والسِّرحانُ |
والجِزعُ حَنّ إلى عُلاكَ مُسَلِّماً، |
وببَطنِ كَفّكَ سَبّحَ الصّوّانُ |
وهَوَى إلَيكَ العِذقُ ثمّ رَدَدتَهُ |
في نَخلَة ٍ تُزهَى بهِ وتُزانُ |
والدّوحَتانِ، وقد دَعوتَ، فأقبَلا |
حتى تَلاقَتْ منهما الأغصانُ |
وشكا إليكَ الجيشُ من ظمإِ بهِ، |
فتَفَجّرَتْ بالماءِ منكَ بَنانُ |
ورَدَدتَ عَينَ قَتادَة ٍ من بَعدِ ما |
ذهبَتْ، فلَم يَنظُرْ بها إنسانُ |
وحكَى ذِراعُ الشّاة ِ مُودَعَ سُمّه، |
حتى كأنّ العُضوَ منهُ لِسانُ |
وعَرَجتَ في ظَهرِ البُراقِ مُجاوِزَ الـ |
ـسّبعِ الطباقِ كما يشا الرحمانُ |
والبدرُ شقّ وأشرقتْ شمسُ الضّحى |
بعدَ الغروبِ، وما بها نقصانُ |
وفضيلة ٌ شهدَ الأنامُ بحقّها، |
لايستطيعُ جحودَها إنسانُ |
في الأرضِ ظِلّ اللَّهِ كنتَ، ولم يلُحْ |
في الشّمسِ ظِلُّكَ إنْ حَواكَ مكانُ |
نُسخَتْ بمَظهَرِكَ المَظاهرُ، بعدَما |
نُسِختْ بملّة ِ دينِكَ الأديانُ |
وعلى نُبُوّتِكَ المُعَظَّمِ قَدرُها، |
قامَ الدليلُ، وأوضحَ البرهانُ |
وبكَ استغاثَ الأنبياءُ جميعهمْ، |
عندَ الشدائدِ، ربهمْ ليعانوا |
أخذَ الإلهُ لكَ العهودَ عليهِمُ، |
من قبلِ ما سمحتْ بكَ الأزمانُ |
وبكَ استغاثَ اللهَ آدمق عندما |
نُسِبَ الخِلافُ إليهِ والعِصيانُ |
وبكَ التجا نوحٌ وقد ماجتْ بهِ |
دُسْرُ السّفينَة ِ، إذْ طغَى الطّوفانُ |
وبكَ اغتدى أيوبُ يسألُ ربَّهُ |
كَشفَ البَلاءِ فزالَتِ الأحزانُ |
وبكَ الخليلُ دعا الإلهَ، فلم يخفْ |
نَمرودَ إذْ شُبّتْ له النّيرانُ |
وبكَ اغتدى في السّجن يوسفُ سائلاً |
رَبّ العِبادِ، وقَلبُهُ حَيرانُ |
وبكَ الكليمُ غداة َ خاطبَ ربَّهُ |
سألَ القبولَ، فعمَّهُ الإحسانُ |
وبكَ استبانَ الحقُّ بعدَ خفائه، |
حتى أطاعَكَ إنسُها والجانُ |
ولوَ أنّني وفّيتُ وصفَكَ حقَّهُ، |
فَنِيَ الكَلامُ وضاقَتِ الأوزانُ |
فعلَيكَ من رَبّ السّلامِ سَلامُهُ، |
والفَضلُ والبَركاتُ والرّضوانُ |
وعلى صِراطِ الحقّ آلُكَ كلّما |
هَبّ النّسيمُ، ومالَتِ الأغصانُ |
وعلى ابنِ عمّكَ وارِثِ العِلمِ الذي |
ذَلّتْ لسَطوَة ِ بأسِهِ الشّجعانُ |
وأخيكَ في يومِ الغديرِ، وقد بدَا |
نُورُ الهُدى وتآخَتِ الأقرانُ |
وعلى صحابتكَ الذينَ تتبّعوا |
طُرُقَ الهُدى ، فهَداهمُ الرّحمانُ |
وشَرَوا بسَعيهِمُ الجِنانَ، وقد دَرَوا |
أنّ النّفوسَ لبيعِها أثمانُ |
يا خاتمَ الرّسلِ الكرامِ وفاتحَ الـ |
ـنّعمِ الجِسامِ، ومَن لهُ الإحسانُ |
أشكُو إليكَ ذنوبَ نَفسٍ هَفوُها |
طبعٌ عليهِ رُكّبَ الإنسانُ |
فاشفَعْ لعَبْدٍ شانَهُ عِصيانُهُ؛ |
إنّ العبيدَ يشينُها العِصيانُ |
فَلكَ الشّفاعة ُ في مُحبّيكمْ، إذا |
نصبَ الصراطُ، وعلقَ الميزانُ |
فلقد تعرضَ للإجازة ِ طامِعاً |
في أن يكونَ جزاءَهُ الغفرانُ |