تاريخ علم الفيروسات
علم الفيروسات هو عبارة عن الدراسة العلمية للفيروسات والعدوى التي تسببها. وقد انطلق تاريخ علم الفيروسات في الاعوام الأخيرة من القرن التاسع عشر. على الرغم من أن لويس باستور وإدوارد جينر اكتشفا اللقاحات الأولى للحماية من العدوى الفيروسية، إلا أنهم لم يكونوا على دراية بوجود الفيروسات.
واتى أول دليل على وجود الفيروسات من خلال تجارب اُستخدم فيها مرشحات لها مسام صغيرة بما فيه الكفاية لاحتجاز البكتيريا. في عام 1892، استخدم ديمتري إيفانوفسكي واحدة من هذه المرشحات لإثبات أن عصارة نباتات التبغ المصابة تكون معدية لنباتات التبغ السليمة على الرغم من تصفيتها. وسمى مارتينوس بيجيرينك المادة المُصفّاة المعدية باسم "فيروس"، ويعتبر هذا الاكتشاف بداية لعلم الفيروسات. وقد حفّز الاكتشاف اللاحق والتوصيف الجزئي للعاثيات من قِبل فيليكس دهيريل هذا المجال، وبحلول أوائل القرن العشرين تم اكتشاف العديد من الفيروسات.
تاريخ الفيروسات
على الرغم من نجاحاته الأخرى، لم يستطع لويس باستور (1822-1895) من ايجاد العامل المسبب لداء الكلب، وخمن أن العامل الممرض صغير جدا لا يمكن الكشف عنه باستخدام المجهر.[1] في عام 1884، اخترع عالم الأحياء الدقيقة الفرنسي شارل شمبرلند (1851-1931) مصفاة - تعرف اليوم باسم مصفاة شمبرلند - لها مسام أصغر من البكتيريا. وبالتالي، يمكن تمرير محلول يحتوي على البكتيريا من خلال المصفاة، وتصفيتها، وإزالتها تماما منه.[2]في عام 1892، استخدم عالم الأحياء الروسي ديمتري إيفانوفسكي (1864-1920) مصفاة شمبرلند لدراسة ما يعرف الآن باسم فيروس تبرقش التبغ.
وبينت تجاربه أن أوراق نباتات التبغ المصابة بعد سحقها تبقى معدية حتى بعد تصفيتها. واقترح إيفانوفسكي أن تكون العدوى ناجمة عن السموم التي تنتجها البكتيريا، لكنه لم يواصل البحث في الفكرة.[3]في عام 1898، قام عالم الأحياء الدقيقة الهولندي مارتينوس بيجيرينك (1851-1931) بتكرار التجارب، وأصبح مقتنعا بأن الرشح يحتوي على شكل جديد من عامل معدي.[4] وأشار إلى أن هذا العامل يتضاعف فقط في الخلايا التي كانت تنقسم، ووصفه بـ (contagium vivum fluidum) (العامل الجرثومي الذائب)، ثم أعاد إدخال مصطلح فيروس بعد ذلك.[3] وأكد بيجيرينك أن الفيروسات كانت سائلة في طبيعتها، وهي نظرية ساءت مصداقيتها في وقت لاحق من قِبل عالم الكيمياء الحيوية الأمريكي وطبيب الفيروسات وندل ميريديث ستانلي (1904-1971)، الذي أثبت أنهم في الواقع جسيمات.
وفي العام ذاته ، مرر فريدريك لوفلر (1852-1915)، وبول فروش (1860-1928) أول فيروس حيواني من خلال مصفاة مماثلة، واكتشفا سبب الحمى القلاعية.[5]في عام 1881، اقترح كارلوس فينلي (1833-1915)، وهو طبيب كوبي، لأول مرة أن البعوض يحمل سبب الحمى الصفراء،[6] وقد أثبت هذه النظرية والتر ريد (1851-1902) في عام 1900.
عبر عامي 1901 و1902، اقترح ويليام كروفورد غورغاس (1854-1920) فكرة تدمير مواطن تكاثر البعوض في كوبا، مما أدى إلى انخفاض كبير في معدل انتشار المرض.[7] ثم قدم غورغاس في وقت لاحق فكرة القضاء على البعوض من بنما، مما سمح لقناة بنما أن تُفتتح في عام 1914.[8] وتم عزل الفيروس أخيرا بواسطة ماكس تيلر (1899-1972) في عام 1932، الذي استمر في تطوير لقاح ناجح.[9]وبحلول عام 1928 كان قد عُرِفَ ما يكفي عن الفيروسات للإعلان عن الفيروسات القابلة للفلترة من خلال مجموعة من المقالات التي تغطي جميع الفيروسات المعروفة، قام بتحريرها توماس ميلتون ريفرز (1888-1962). وواصل ريفرز، وهو أحد الناجين من حمى التيفوئيد التي أصابته في سن الثانية عشرة، العمل ليكون لديه سيرة متميزة في علم الفيروسات.
في سنة 1926، دُعي ريفرز للتحدث في اجتماع نظمته جمعية علم الجراثيم الأمريكية، حيث قال لأول مرة: "يبدو أن الفيروسات تلزم الطفيليات، بمعنى أن تكاثرها يعتمد على الخلايا الحية".[10]من عام 1950 إلى 1960، قام تشستر ساوثام، وهو عالم بارز في الفيروسات، بحقن خلايا هايلا الخبيثة في مرضى سرطان، وأفراد أصحاء، وسجناء من سجن أوهايو لمراقبة ما إذا كان يمكن أن ينتقل السرطان
كما كان يختبر ما إذا كان يمكن للمرء أن يصبح في مأمن من السرطان عن طريق تطوير استجابة مناعية مكتسبة على أمل إنشاء لقاح للسرطان.[11]لم تعتبر فكرة أن الفيروسات عبارة عن جسيمات غير طبيعية، وكانت مناسبة مع النظرية الجرثومية. ومن المفترض أن دكتور ج. بويست (من إدنبرة) كان أول شخص يرى جزيئات الفيروس في عام 1886، عندما قال أنه رأى " مُكَيَّرات" في لقاح ليمفاوي، على الرغم من أنه ربما لاحظ كتل من فيروس الوقس.[12] في السنوات التالية، مع تطور الميكروسكوبات الضوئية تم رؤية "الأجسام المُشْتَمَلَةُ" في العديد من الخلايا المصابة بالفيروس، ولكن ظلت هذه التجمعات من جزيئات الفيروس صغيرة جدا، لا تمكّن من الكشف عن أي تفاصيل، حتى تم اختراع المجهر الإلكتروني في عام 1931 من قِبل المهندسَين الألمانيَين إرنست روسكا (1906-1988)، وماكس كنول (1887-1969).
وتبين باستعمال المجهر الإلكتروني أن جسيمات الفيروسات، وخاصة العاثيات، لديها تراكيب معقدة. وتوافقت أحجام الفيروسات التي تم تحديدها باستعمال هذا المجهر الجديد مع تلك التي قُدِرَت من خلال تجارب الترشيح. كان من المتوقع أن تكون أحجام الفيروسات صغيرة، ولكن المدى الذي تراوحت فيه الأحجام كان مفاجأة. كان بعضها أصغر قليلا من أصغر بكتيريا معروفة، وكانت الفيروسات الأصغر حجما مماثلة لحجم الجزيئات العضوية المعقدة.[14]في عام 1935، فحص وندل ستانلي فيروس تبرقش التبغ، ووجد أنه في الغالب مصنوع من البروتين.[15] في عام 1939، فَصَلَ ستانلي، وماكس لوفر (1914) الفيروس إلى بروتين وحمض نووي،[16] والذي أوضح هوبيرت س. لورينغ (رفيق ستانلي بعد الدكتوراه) أنه حمض نووي ريبوزي على وجه التحديد.[17] كان اكتشاف الحمض النووي الريبوزي (RNA) في الجسيمات مهما؛ لأنه في عام 1928، قدم فريدريك غريفيث (1879-1941) أول دليل على أن "ابن عمه"، الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (DNA)، يكوّن الجينات.[18]في يوم باستور، وبعد سنوات عديدة من وفاته، اُستخدمت كلمة "فيروس" لوصف سبب أي مرض معدي. وسرعان ما اكتشف العديد من علماء البكتريا سبب العديد من العدوى.
ومع ذلك، ما تزال بعض العدوى، والعديد منها خطير، لم يتم العثور لها على أي سبب بكتيري. كانت هذه الكائنات غير مرئية، ويمكن زرعها فقط في الحيوانات الحية. وكان اكتشاف الفيروسات هو المفتاح الذي فتح الباب الذي كان يحجب أسرار سبب هذه العدوى الغامضة. وعلى الرغم من أن فرضيات كوخ كشفت سبب العديد من هذه العدوى، إلا أن ذلك لم يمنع رواد علم الفيروسات من البحث عن الفيروسات في حالات العدوى التي لم يتم العثور على سبب آخر لها.
المراجع
areq.net
التصانيف
علم الفيروسات التاريخ فيروسات العلوم الاجتماعية