تل عربيد، إحدى التلال الأثرية الهامة التي تقع في أعالي الخابور في منطقة الجزيرة السورية. ويعرف هذا التل الأثري بمكانه الاستراتيجي حيث يقع في وسط سلسلة جبلية مهمة.

فمن الشمال تحده جبال طوروس ومن الشرق جبل سنجار ومن الجنوب جبل عبدالعزيز. كذلك يحتل مكانآ متوسطاً بين ممالك عريقة مهمة "مملكة ناغار" تل براك حالياً ومملكة أوركيش "تل موزاف" ومملكة شباط انليل "تل ليلان" عاصمة شمشي حدو الأول الآشوري في بداية الألف الثاني قبل الميلاد.

ونظراً لما يتمتع به التل من موقع استراتيجي وممتاز لفت أنظار علماء الآثار منذ بداية هذا القرن، ففي سنة 1936 قدم الى منطقة الجزيرة العالم الأثري الإنكليزي المشهور ماكس مالاوان وزوجته اغاثا كريستي وأجرى مسحاً أثرياً لبعض المواقع الأثرية واختار من بين المواقع الأثرية تل عربيد للعمل فيه.

وقد أسفر هذا العمل عن موسمين تنقيبيين عامي 1936- 1937تم الكشف فيهما عن قبر يرجع الى الألف الثالث ق.م. إضافة الى ظهور اللقى الأثرية التي كان التل غنياً بهما. بعد ذلك توقف البحث الأثري في تل عربيد حتى عام 1996 حيث باشرت بعثة أثرية سورية بولونية مشتركة برئاسة الأستاذ أحمد سرية من المديرية العامة للآثار والمتاحف والبروفيسور بيوتر بيلينسكي من جامعة وارسو أعمال تنقيب.

تسلسلت بعد ذلك عمليات التنقيب الأثري في تل عربيد وقد أسفرت هذه التنقيبات عن نتائج أثرية بارزة فتم العثور على لقى أهمها طبعة ختم تعود الى الفترة الميتانية في القرن السابع عشر قبل الميلاد وهذا دليل على استيطان ميتاني مهم في هذا التل. كذلك تم العثور على مدفن جماعي يعود الى حضارة الخابور في الألف الثاني قبل الميلاد وحضارة الخابور سميت بها الممالك التي قامت على ضفة نهر الخابور في الجزيرة وأطلق كذلك على الفخار المكتشف في تلك الفترة فخار الخابور الذي يمتاز بصناعته العالية وتلويناته الرائعة.

يرجع المدفن الذي كشف عنه الى فترة الخابور وهو مبني من اللبن المشوي وعثر ضمن المدفن على ثلاثة هياكل عظمية، هيكل عظمي لامرأة وهيكلان عظميان لطفلين دفنا مع المرأة. إضافة الى جرار متوسطة وصغيرة ملونة، وتشير الدراسات الأثرية والمخبرية التي أجريت على هذا المدفن ان سبب دفن هذه العائلة مجتمعة في مدفن واحد هو إصابة هذه العائلة بمرض واحد ويعود هذا المدفن الى الألف الثاني قبل الميلاد.

كذلك تم العثور على بعض النقود التي تعود الى الفترة الهلنستية والتماثيل الحيوانية التي تمثل الكلب والخروف والحجل وأيضاً عثر على قرن غزال في أرضية إحدى الغرف، وعلى طبعة ختم تعود الى الألف الثالث قبل الميلاد وقد كانت هذه الأختام تستخدم لختم الجرار المعدة للتصدير مما يدل على تطور الحياة الاقتصادية في الألف الثالث قبل الميلاد.

أما بالنسبة للعمارة وبحسب التسلسل الطبقي التاريخي من الأحدث نحو الأقدم ومن خلال دراسة اللقى الفخارية فالطبقة الأحدث إسلامية متأخرة تعود الى القرن 12م مروراً بالبيزنطي والهلنستي والروماني والأشوري الحديث والميتاني والأشوري القديم وفترة الألف الثالث قبل الميلاد وأوروك الباكر والمتأخر. وتم كشف عمارة تعود الى الفترة الإسلامية المتأخرة وعمارة تعود الى الفترة الهلنستية وهي عبارة عن مبنى كبير جدرانه من اللبن مع وجود بعض الأواني الفخارية فيها، أما العمارة الهامة التي كشفت فتعود الى الفترة الميتانية النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد والجدير ذكره أن البناء الميتاني المكتشف عبارة عن طريق مرصوف بالفخار يلتف حول البيوت.

كما عثر داخل البيوت على مصارف صحية الأقنية التي تصرف المياه الى خارج المبنى وتم أيضاً الكشف عن جزء من سور المدينة وهو مبنى من اللبن المشوي وعرضه حوالى سبعة أمتار ويعود الى النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد. في القسم الأعلى من التل "الأكروبول" تم كشف مبنى ضخم يعتقد أنه مبنى هام جداً وهذا أوضحته الدراسات الأثرية.

ويتميز هذا المبنى بعمارته المتقنة وجدرانه الضخمة وأرضيات هذه البيوت اسمنتية. وللمبنى سور خارجي ومدخل رئيسي، وخارج المبنى كشف عن بعض الغرف الصغيرة استخدمت كمحلات للحرف، وأيضاً تم كشف الشوارع التي تفصل بين البيوت والمحلات وهي شوارع عرضها حوالى المترين مرصوفة بالفخار إضافة الى كشف هام وهو قناة الري التي تؤدي الى البيوت والمحلات الخاصة بالعمل وقد كانت المياه تجمع في خزان كبير خارج المبنى وتوزع الى البيوت عبر أقنية، كما كشف عن أفران ضخمة خارج البناء كانت تستخدم لصناعة الفخار.

أيضاً عثر في هذا المبنى على نوع من الفخار هو فخار نينوى الذي يعود الى سنة 2700 قبل الميلاد وهو فخار صناعته راقية يدل على تطور الحياة المدنية. استعمل هذا الفخار في شمال العراق ثم انتشر بعد ذلك. ومعه تطورت الحياة المدنية والثقافية، وهو فخار ملون ومحزز.

ووجود هذا الفخار في تل عربيد دليل على قيام حضارة مدنية متطورة في الألف الثالث قبل الميلاد وتشير كل الدلائل إلى أن تل عربيد مدينة هامة جداً لعبت دوراً كبيراً في الألف الثالث قبل الميلاد وسواءً على المستوى الاقتصادي أو التجاري وذلك لوجودها على مفترق طرق تجارية مهمة واستراتيجية.


المراجع

sauress.com

التصانيف

آثار سوريا  حضارة سوريا  الجزيرة السورية   التاريخ